موضوع: تاريخ مدينة وهران الأحد 11 سبتمبر 2011 - 3:15
تاريخ مدينة وهران
الكثير من الكتاب والمؤرخين قالوا بأنه يلزم مئات الكتب للإحاطة بجميع الأبعاد الخفية لوهران، وهذا ما يفسر وفرة الكتب عن المدينة. بعضها يحكي التاريخ عبر القرون، ويؤكد على تاريخيتها وأخرى تروي الحياة اليومية لوهران والوهرانيين.
وهران هي محطة التقاء الثقافات وزوال الفوارق. أدت الأحداث التي عانت منها المدينة عبر العصور إلى ظهور روح التسامح، ففيها تعايشت جميع العقائد الدينية والسياسية. حوار الحضارات مؤكد بها على الرغم مما يقال عن الدراما التاريخية والاضطرابات.
وهران قبل التأسيس
حقبة ماقبل التاريخ
أثبتت بحوث علم الآثار خلال القرنين 19 و 20 أن وهران كانت محل نشاط بشري خلال فترات ما قبل التاريخ. تم اكتشاف العديد من المستعمرات البشرية ومستعمرات الإنسان البدائي. آثار الأسلاف البشرية (حسب نظرية التطور) في تغنيف بالقرب من معسكر تعود لـ 400.000 سنة، كذلك مستعمرات كهوف كارتل كوشت الجير ومحجرة أكمول التي تعود للعصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث. ويحوي متحف أحمد زبانة نجاحا خاصا بالعصر الحجري الحديث تميزه مجموعات صنعت من الفخار، العظم و الحجر، نذكر منها على سبيل المثال الأوعية’ المخارز، رؤوس السهام و الفؤوس المصقولة التي اكتشفت بمغارات جبل المرجاجو (وهران).
ظهرت قبل 21000 سنة مجموعة إيبيروموريسيين على بعد 120 كم جنوب غرب وهران وذلك في منطقة وجدة، مغارة تافوغالت تحتوي على أكبر حقل معروف يعود لهذه الحقبة. استمرت هذه الحضارة وشملت كامل المغرب العربي قبل أن تبدأ بالاندماج تدريجياً حوالي الألفية التاسعة قبل الميلاد مع مجموعات قبصية لتشكل أسلاف الطوارق الأمازيغ (يسمى في بعض الأحيان «الرجل الأزرق »).
العصور القديمة
إذا كانت أسطورة الكتاب المقدس نسبت إلى يوشع بن نون والمتبع لشريعة موسى عليه السلام تهويد وهران والمغرب العربي، فقد دلت الآثار القديمة الأولى عى أن قدوم أوائل اليهود جاء مع استقرار الفينيقيين في المنطقة حيث يمكن دراسة المقبرة الكبيرة بقرب منتجع الأندلسيات التي يعود تاريخها لفترة الحضارة القرطاجية ما بين القرن الرابع والأول قبل الميلاد.
في حين إختار الفينيقيون خليج مداغ الصغير غرب وهران لإنشاء محطتهم التجارية، إختار الرومان موقع بورتيس ماغنيس (Portus Magnus) أربعون كيلومتر إلى الشرق بالمكان المعروف اليوم ببطيوة. ميناء وهران والمرسى الكبير كانت تعرف بالميناء الإلهي (Portus Divini).
كانت منطقة وهران تسمى يونيكا كولونيا. (Unica Colonia) العديد من التماثيل القديمة وجدت في الإقليم الوهراني يمكن مشاهدتها بمتحف أحمد زبانة. خلال القرن الثاني للميلاد عرفت المنطقة هجرة لليهود من برقة ومصر مثل بقية المناطق المغاربية. حفز الوجود الروماني على وصول المسيحيين ويشهد على ذلك الكثير من مخلفات القرن الرابع للميلاد والتي يوجد بعضها في متحف وهران.
اختفاء يونيكا كولونيا
مع انهيار الإمبراطورية الرومانية سقطت المدينة بأيدي الوندال عام 445مثم في يد البيزنطيين سنة 533م، طاعون جستنيان ابتداءً من 541م ثم الفتوحات الإسلامية في 645م.
تأسيس وهران
بعد بقائها عدة قرون مهجورة ومع مطلع القرن الخامس للميلاد لم يبق شيء من يونيكا كولونيا فاختلط الوضع وأصبحت خلجان هذا الساحل دون أي سلطة مستقرة ولا أي رقابة رسمية. سيطر الرستميون على المنطقة في الوقت الذي كانوا يعانون من مشاكل داخلية ونزاع مع الفاطميين فلم يكونوا قادرين على الدفاع عن مصالحها.
بالنسبة للسلطات، كانت المنطقة الشبه المهجورة بوهران ذات أهمية ثانوية فبقت دون أي سيطرة.
من ناحية أخرى، استعملت بحرية المرية تحت سلطة الأندلس شواطئ المغرب العربي بصفة موسمية للتجارة مع تيهرت ومدينة تلمسان القريبة (الرستميين) وبالتدريج أصبحت هذه المستوطنات دائمة. بالتوازي رغب أمراء قرطبة الأمويين بالاستقرار على السواحل الإفريقية.
مع أولى بوادر تفكك الخلافة العباسية قرر عرب الأندلس تطوير محطات تجارية على شواطئ شمال أفريقيا وذلك نظراً لقوتهم آنذاك.
هكذا تأسست وهران في 902 من قبل البحارة الأندلسيين محمد بن أبو عون، محمد بن عبدون ومجموعة من البحارة بدعم من أمراء قرطبة. أسسوا المدينة للتجارة مع تلمسان وذلك بتطوير خليج المرسى الكبير.
الحقبة الإسلامية
بعد تأسيسها كانت وهران محل نزاع بين أمراء قرطبة الأمويين والفاطميين فقد تم أخد واسترجاع المدينة طوال نزاع دام من 910 حتى 1082م.
منذ العام 1000م كانت الجالية اليهودية موجودة ومنظمة في وهران. في هذه الحقبة كانت المكانة الإستراتيجية لوهران تفوق الجزائر وتلمسان.
سنة 1077م سقطت المدينة بيد يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية وخضعت له لمدة 68 عام. 1145 وقعت وهران بقبضة قوات عبد المؤمن بن علي الكومي الموحدية المنتصرة في تلمسان وذلك بعد مقتل إبراهيم بن تاشفين ومحظيته عزيزة إثر انقلابهما وحصانيهما بأحد منحدرات جبل مرجاجو والذين كانا يقصدان الميناء من أجل التوجه إلى الأندلس. في خلفية الصورة، برج المحل (برج اللقالق) أو روزالكزار ثم شاطوناف لدى الإسبانيين والفرنسيين
عرفت المدينة تحت حكم الموحدين فترة طويلة من الاستقرار والازدهار لأكثر من قرن طوروا خلالها الميناء وأحواض السفن. على الرغم من اضطهاد الموحدين، تطور المجتمع اليهودي فكانت هناك تجارة بين يهود غرب المتوسطي ويهود وهران في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والقرن الرابع عشر.
إمارة الموحدين التي حكمت المغرب العربي لعشرات من السنين بدأت تنهار شيأً فشيأً لينتج في الأخير ثلاث سلالات حاكمة. الحفصيون في 1230، الزيانيون في 1235 والمرينيون في 1258.
أصبحت وهران تحت حكم الزيانيين منذ 1228 عندما سقطت بيد يغمراسن بن زيان. فيما بعد أخد المرينيون المدينة وقدم أبو الحسن علي بن عثمان ليستقر بها عام 1347م.
«في أقل من نصف قرن مرت وهران تحت تسع سلطات مختلفة هكذا قال م.ل. فاي... نجح بن عباد في البقاء على رأس حكومة وهران، بشرط الاعتراف بتبعيته للحفصيين (1437)». إحتضنت وهران بين أسوارها في هذا الوقت محمد التاسع الأيسر الملك الخامس عشر لمملكة غرناطة الذي أجبر على الفرار من رعاياه المتمردين. بعد وفاة بن عباد خضعت وهران لحكم الزيانيين وتحت هذا الحكم الجديد عرفت وهران ازدهاراً كبيراً، فقد أصبحت مركز لنشاط تجاري واسع ونشيط جداً. شهد على ذلك مارمو وألفاريس غوميس :«العاج، جلود النعام، جلود البقر المدبوغة، الذهب والحبوب هي مصادر ثروة السكان التي لا تنضب الذين برعوا أيضاً في صناعة الصوف والأسلحة البيضاء. أقدم سكان البندقية، بيزا، جنوة، مرسيليا وكتلونيا على شراء هذه المنتجات، ويسوقون الأقمشة، الخرز، الحديد والخردوات.» كان بوهران آنذاك 6000 منزل، مساجد رائعة، مخازن الكبيرة ومباني تجارية جميلة كثيرة. عدة مباني بارزة تعود لهذه الفترة مثل تحصينات المرسى الكبير وربما ملاجئ روزالكزار.
خلال القرن الرابع عشر أصبحت وهران مركزاً فكرياً. أقام بها العديد من الكتاب وتباهوا بمفاتنها:
ابن خلدون: «وهران متفوقة على جميع المدن الأخرى بتجارتها وهي جنة التعساء. من يأتي فقيراً إلى أسوارها يذهب غنياً.»
الإدريسي: «وهران على حافة البحر، تواجه الميرية على الساحل الأندلسي ويفصلهما يومين من الإبحار. مرسى الكبير هو ميناء ليس له مثيل في كامل الساحل البربري، تقصده سفن الأندلس غالباً. وهران وافرة الثمار. سكانها هم رجال أفعال، أقوياء وفخورين.»
ابن خميس: «المدينتين الساحليتين التين أعجبتاني في المغرب العربي هما وهران خازر وجزائر بولوغين.»·
ليون الإفريقي: «وهران مدينة كبيرة تتوفر على مرافق وجميع أنواع الأشياء الائقة بمدينة طيبة كالمدارس، الحمامات، المستشفيات والفنادق، يحيط بالمدينة سور جميل عال».
في أول ترحيل لليهود من اسبانيا عام 1391، اتجه اليهود السفارديون نحو المغرب العربي. في 1492 وبعد صدور مرسوم الحمراء، استقل اليهود السفارديون والمرانسميون 25 سفينة في ميناء سانتا ماريا بقادس متجهين إلى وهران.
كانت وهران في هذه الحقبة جمهورية بحرية، دولة مدينة كانت تعتبر إمارة منفصلة عن الزيانيين. كانت المدينة في حالة حرب ضد سيادة الدولة الزيانية والسكان رفضوا ان يكون لها محافظ في المدينة، فهم يختارون كل سنة قاضي القضاة ومستشارين لحكومة المدينة. تقتصر صلاحيات محكمة تلمسان على تحصيل الضرائب.
ابتداءً من 1493 استضافة وهران عدداً كبيراً من اللاجئين الناصريين بعد سقوط الأندلس. الانتقام، الرغبة في الاستعادة وعدد اللاجئين الكبير جعل الساحل الجزائري نقطة انطلاق لعدد كبير من الهجمات ضد إسبانيا المسيحية. مع مطلع القرن السادس عشر كان الملوك الكاثوليك في عز قوتهم فقرروا ضم العديد من الموانئ الجزائرية. أدى التدخل العسكري العثماني إلى إجلاء الإسبان عن الموانئ المحتلة باستثناء ميناء وهران (1509-1708) والمرسى الكبير (1505-1792).
الحقبة الإسبانية
أرسل البرتغاليون حملة على شاطئ الأندلسيات في شهر يوليو 1501 وذلك أربع سنوات قبل الإسبان. فيما بعد عام 1505 رست السفن الإسبانية بالمرسى الكبير في أول حملة لها على وهران.
في هذه المرحلة كان بوهران 6000 مسكن أي حوالي 25.000 مواطن. 17 مايو 1509 وفي صبيحة سقوطها فرغت وهران من سكانها الذين هجروا واحتلتها بالكامل القوات الأسبانية. هتف الكردينال غونزالو سيسنيروز بعد مشاهدة المدينة التي جاء لضمها للملوك الكاثوليك «هذه هي أجمل مدينة في العالم». في نفس السنة قام ببناء كنيسة القديس لويس التي تشرف على المدينة القديمة وذلك على أنقاض مسجد ابن البيطار.
قام الحاكم كونت ألكوديت عام 1554 بإبرام تحالف مع محمد الشيخ سلطان السعديين في المغرب الأقصى ضد العثمانيين الذين تموقعوا في الجزائر، فتمكن من الحفاظ على الوجود الأسباني.
بدأ الأسبان أعمال الترميم في القلعة المخصصة كمقر لحكام المدينة. « تتألف تحصينات القلعة (القصبة) من جدار متواصل تعلوه أبراج قوية متباعدة فيما بينها». الحاكم الإسباني « أسس مقره الرئيسي في هذا الجانب». خلال القرن السادس عشر جعل الإسبان من وهران معقل لهم فبنوا فيها سجن على نتوء صخري بالقرب من ميناء المرسى الكبير، قبل أن يشرع المركيز سانتا كروز عام 1563 في بناء قلعة تحمل اسمه على قمة العيدور، الذي سماه الحكام الجدد للمدينة مرجاجو. عام 1568 شهدت المدينة زيارة دون خوان النمساوي القرصان الأوروبي المعروف والذي قضى فيها يومين تفقد فيها تحصينات المدينة. هبوط الموريسكيين في ميناء وهران (1613، فيسنتي ميستر).
انطلاقاً من 1609 وبعد صدور مرسوم الطرد من اسبانيا رست عدة أفواج من الموريسكيين بوهران حيث إستقر العديد منهم بالمنطقة. في 1669 جاء دور اليهود الذين إعتبروا أعداء للملة ليتم طردهم من أحياء راس العين ورافان بلون، البعض منهم إستقروا بجبل الكرنيش العلوي.
بالرغم من التحصينات تعرضت المدينة لإعتداءات مستمرة اقتربت من محيط أسوارها. عام 1707 قام مولاي إسماعيل سلطان العلويين في المغرب الأقصى بمحاولة اقتحام تحصينات روزالكزار لكنه رأى جيشه يهلك أمام الجيش الجزائري بقيادة الداي شعبان. عام 1708 ألحق الباي مصطفى بن يوسف وهران التي أصبحت تقريباً مهجورة بإيالة ومملكة الجزائر. عام 1732 استعاد الإسبان السيطرة على المدينة.
شهدت وهران حركة نمو متواصلة أجبرتها على التوسع خارج أسوارها التي تهدمت تدريجياً. عام 1770 كان بوهران 532 منزل خاص و42 صرح معماري، عدد سكانها 2.317 شخص زائد 2.821 مرحّل حر يعيشون من التجارة. بين 1780 و1783 إقترح كارلوس الثالث على إنجلترا مبادلة وهران بجبل طارق لكن زلزال عام 1790 والحرائق التي تبعته خلّف 3000 ضحية ودمر المدينة بأكملها.
أصبحت المدينة خطرة جدا وإعادة بنائها والدفاع عنها صارت مكلفا للغاية للعاهل الاسبانى الملك كارلوس الرابع الذي بدأ مفاوضات مع داي الجزائر العاصمة لأكثر من عام من أجل تسليمها له، بعد حصار طويل وزلزال جديد حلحل دفاع الإسبان أخذ الباي محمد بن عثمان (الملقب بمحمد الكبير) السلطة في المدينة بموجب معاهدة وقعت في 12 سبتمبر 1792.
الحقبة العثمانية
انقسمت فترة الحكم العثماني لوهران على فترتين. تبدأ الفترة الأولى من 1708 إلى 1732 أم الفترة الثانية فمن 1792 إلى 1830.
الفترة الأولى (1708-1732)
بدأت بتحرير مصطفى بوشلاغم مؤسس مدينة معسكر بأمر من داي الجزائر كان ذلك في 20 يناير[بوعزيز 1]. بعد أن ظلت وهران لفترة أخر نقطة صامدة للإسبان على السواحل الجزائرية. وقد جعل منها بوشلاغم عاصمة جديدة لبايلك الغرب الذي كان يحكمه من معسكر. وظل بوشلاغم حاكما لوهران بدون مشاكل حتى سنة 1792 عندما عاود الإسبان الهجوم على المدينة واستطاعوا دخولها في حين لجأ بوشلاغم إلى مستغانم.
الفترة الثانية (1792-1830)
تبدأ بعد توقيع الإسبان لإتفاقية بالتنازل عن المدينة مقابل السماح لهم بأخذ المدافع والذخيرة. وبذلك دخلها محمد الكبير أوائل مارس 1792. ويذكر بعض المؤرخين أن من أسباب التنازل العبء الذي كانت تمثله المدينة على إسبانيا خاصة في ظل عدم الاستقرار وتراجع أهمية الميناء، ضف إلى ذلك الزلزال الذي ضرب المدينة ليلة 8 إلى 9 أكتوبر 1790 والذي دمر جزءا هاما منها تبعه حريق وعمليات سطو.
عام 1793 انطلقت أشغال بناء مسجد الباي محمد الكبير، الذي كان مدرسة ومقبرة عائلية للباي، في نفس السنة قام ببناء قبة والي المدينة باسم قاضي بولحبال.
عام 1796 بنى العثمانيين من مال فداء الأسرى الإسبان مسجد سموه مسجد الباشا والذي سمي تكريماً لحسن باشا داي الجزائر، بعد رحيلهم كان سيدي محمد الساني المهاجي أول أئمة المسجد (كان مستشار لباي وهران ومفتش رئيسي في عهد الباي محمد الكبير. عام 1800 حصل بن عبد القادر بن عبد الله المهاجي على منصب قاضي وهران والذي احتفظ به حتى وفاته.
الاستعمار الفرنسي
الاستيلاء على المدينة
في 4 يناير 1831 دخل الجنرال شارل-ماري دينيس دامريمون قائد البعثة الفرنسية وهران التي كانت لا تزال تحمل آثار الزلزال الذي ضربها عام 1790 والذي دمرها بشكل كبير. وفي 17 أغسطس من نفس السنة أسس الجنرال فودواس حامية منها الكتيبة الرابعة بالفيلق الأجنبي وجعل من وهران منطلقا لغزو الجنوب الوهراني.
ذكر القائد داريان أن أول محاولة إحصاء جرت عام 4 فبراير 1832، ووصلت إلى نتيجة أن بالمدينة 3856 ساكنا بينهم 2876 من اليهود و730 من الأوروبيين و250 ما سمتهم بالمسلمين (التسمية التي تشير للجزائريين). ومن ضمن 3856 ساكنا هناك 318 شخصا وصفوا على أنهم خدم. وفي حين أن مصادر أخرى تحدثت عن قرابة 18 ألف نسمة ما يجعل الباحث يصل إلى نتيجة أن محاولة الإحصاء تلك لم تشمل كل الساكنين لسبب من الأسباب. فقد يكون السبب فرار أهل وهران عند دخول المحتل واللجوء للمرتفعات فلم يبقى إلا الحي اليهودي. وقد يكون ضعف القائم على الإحصاء مفتش الشرطة بيجول الذي عين في هذا المنصب حديثا ووجد صعوبات في أداء عمله فاستقال سريعا وكانت محاولة الإحصاء هاته العمل الوحيد المذكور له. أو كل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها.
وكانت الخطوات الأولى للإدارة العسكرية هدم البيوت التي تخفي الوجهة الشرقية بين شاطوناف وحصن القديس فيليب ثم تلك التي على تل راس العين للتقليل من خطر الكمائن.
انطلاقاً من 17 أبريل 1832 نشبت معارك متفرقة بين الحامية الفرنسية في وهران بقيادة الجنرال بوير والشيخ محي الدين وابنه عبد القادر الجزائري. في 11 نوفمبر صدت الحامية بقيادة كروس أفيناس هجوما كبيرا. أعلنت قبائل نواحي معسكر عبد القادر بن محي الدين ذي 24 ربيعا وقائدا لمقاومة الغزو الفرنسي
وقع الأمير عبد القادر في 4 يوليو 1834 على معاهدة دي ميشال، ثم وسع قبضته عندما إعترفت معاهدة تافنة له بلقب الأمير في مايو 1837 ليكرس سلطته على كامل الإقليم الوهراني (باستثناء مدن وهران، مستغانم وأرزيو) والعاصمي. جمع الأمير عبد القادر أراضيه ووضع سياسة صارمة، وحد الشعب إدارياً لمواجهة المستعمر الفرنسي.
وفي 31 يناير 1838، تم الانتهاء من بناء مدينة وهران كبلدية كاملة.
التنمية والاستيطان
بين عامي 1841 و1847 قام الجنرال لاموريسيار بإعادة تنظيم المدينة بإنشاء أحياء (قرية الزنوج، المدينة الجديدة) وتشريد السكان الأصليين ثم تكييف المدينة لسياسة الاستعمار الاستيطاني. هكذا شهدت وهران موجة من الهجرة الأوروبية:
* 47300 فرنسي قادمين من الألزاس وفوجو دوفيني ومناطق أخرى من جنوب فرنسا. * 31000 إسباني. * 8800 مالطي. * 8200 إيطالي * 8600 سويسري وألماني.
عانت المدينة من وباء الكوليرا الشديد (ما بين 11 أكتوبر و 17 نوفمبر 1849)، وتفيد التقارير الحالة المدنية إلى وفاة 1817 شخص قبل أن تضاف إليها عشرة بعد موجة من المهاجرين اليهود من تطوان المغربية.
بالنظر إلى النمو السريع للتنمية بوهران تقرر تطوير الميناء وفقا لحجم المدينة. بدأت الأعمال الأولية في عام 1848، ولم تنتهي الأشغال إلا مع خروج المستعمر عام 1962 لتعطي للميناء شكله الحالي.
أقام الإمبراطور نابليون الثالث عام 1865 بفندق السلام ومنح الجنسية الفرنسية لليهود والمسلمين (السكان المحليين) والأجانب الذين يثبتون ثلاث سنوات من الإقامة في الجزائر. ووجه هذا المرسوم بمقاومة من المستوطنين وتوجب انتظار مرسوم كريميو 24 أكتوبر 1870 ليتمكن 37000 يهودي من الانتقال من صفة رعية فرنسية إلى مواطن فرنسي. شهدت وهران كما في فرنسا نمو سياسة معادات السامية.
مطلع القرن
بعد 1890 شهدت المدينة نمواً متواصلاً، تجاوز تعداد سكانها 100 ألف نسمة داخل الاسوار مع مطلع القرن العشرين ما دفعها لتجاوزها والتوسع على الهضبة باتجاه كارجنطا ليتم إنشاء ضواحي جديدة مثل سان أنطوان وأكمول وبولونجي وديلمونت وسان ميشال وميرامار وسان بيار وسانت أوجان وقمبيطة.
أصبحت وهران مكاناً لنشاط مكثف:
* في عام 1892 بحديقة دار الأيتام بمسرغين، استطاع الأب كليمون بعد عملية تهجين من انتاج نوع جديد من البرتقال الخالي من البذور نسب إليه ألا وهو الكليمونتين . * عام 1930 تجاوزت قدرة ميناء وهران بالأطنان تلك الخاصة بميناء الجزائر. * بين 1930 و1932 العديد من الأرقام القياسية الجوية العالمية بالمسافة والتوقيت في مجال مغلق تحققت بمطار السانية. * إحتلت وهران المرتبة الخامسة في ترتيب المدن الفرنسية.
فترة الحرب العالمية الثانية
شهدت وهران خلال الحرب العالمية الثانية عدة أحداث رئيسية:
* معركة المرسى الكبير في 3 جويلية 1940 بين الأسطول البريطاني والفرنسي مما أدى إلى فقدان ثلاث سفن حربية، وفاة أو اختفاء 1297 بحار وجرح 351 آخرين.
* استسلام وهران إثر عملية الشعلة في 10 نوفمبر 1942. في نفس الشهر أنزل الأمريكيون في الميناء، لتكون نقطة الانطلاق للحملة الإيطالية.
عام 1942 فر سكان المناطق الشرقية للإقليم الوهراني بشكل جماعي تجاه وهران. ليتواخم الوضع في المدينة التي لم تكن قادرة على استيعاب هذا العدد، سمي هؤلاء القادمين بالشراقة.
مجموعة من النشطاء الوطنيين تأسس مقهى الوداد بقلب وسط المدينة الأوروبية. وكان لهذا المقهى دور كبير في تنمية الروح الوطنية ليصبح بمرور الوقت مركز تجمع للأحزاب التي تمثل مختلف الاتجاهات في ذلك الوقت.
مابعد الحرب وإرهاصات الثورة الجزائرية
بعد مجازر 8 ماي 1945 بسطيف وقالمة تكفلت عائلات وهرانية بيتامى من شرق البلاد. في الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية والثورة التحريرية كانت وهران المدينة الجزائرية الأكثر أوربياً من حيث السكان وهي أيضاً حيث توجد أعلى كثرة عددية للسكان من أصل إسباني.
عام 1948 بلغ عدد سكان المدينة 352.721 نسمة وقدرت نسبة الإسبان ب 65% من مجموع الأوروبيين، هم بدورهم أكثر عدداً من المسلمين.
في مارس 1949 قام أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد (مسؤولين في حزب الشعب الجزائري)، بعد استعداد بفندق باريس، بسطو على مكتب بريد وهران. قدرت حصيلة العملية بـ 3.070.000 فرنك فرنسي كانت بمثابة مصدر مادي للثورة التي أعلنتها فيما بعد جبهة التحرير الوطني.
الثورة الجزائرية
شهدت وهران في 1 مايو 1952 أعمال شغب عكرت صفو المدينة، وفي فاتح من نوفمبر 1954 اندلعت شعلة الثورة الجزائرية، أوكلت قيادة الولاية الخامسة التي تشمل كل الإقليم الوهراني للعربي بن مهيدي. في هذه المرحلة كان لدى الجبهة من 50 إلى 60 رجل بالولاية. ترك العربي بن مهيدي قيادة الولاية لعبد الحفيظ بوصوف مع مطلع عام 1957. عين أحمد زبانة مسؤولاً عن منطقة زهانة (سان لوسيان) بضواحي وهران مكلف بإمداد الثورة بالرجال والذخيرة اللازمة. وفي 2 نوفمبر 1954 تم توقيف زدور محمد إبراهيم قاسم (ابن سي طيب المهاجي) رفقة مسؤول من الحركة الوطنية بالقاهرة أيام قليلة بعد عودته من مصر.
في 8 نوفمبر 1954 دارت معركة غار بوجليدة بدوار شرفة القعدة (ولاية معسكر حاليا) 40 كم عن وهران، تم خلالها أسر أحمد زبانة بعد تلقيه لعيارين ناريين، ليتم سجنه بوهران ثم نقله إلى سجن بربروس (سركاجي) حيث يتم تنفيذ عليه حكم الإعدام بالمقصلة بحقه في 19 جوان 1956 ليكون أول محكوم بالإعدام في الثورة الجزائرية، سنتين فيما بعد كان شريط علي شريف آخر مجاهد ينفذ فيه حكم الإعدام بالمقصلة.
في 26 يونيو 1956 أنزل الفوج 14 من المظليين - تولوز بوهران. وساهمت القوة المتمركزة بالمرسى الكبير في اعتراض عدة شحنات من السلاح قادمة من الإتحاد السوفياتي بما في ذلك احتجاز باخرة أتوس في 16 أكتوبر 1956 محملة ب70 طن من الذخيرة . خلال زيارة الجنرال ديغول للجزائر بين 9 و13 ديسمبر 1959، تسببت المظاهرات العنيفة بالمدينة بحدوث عدة وفيات. التصويت ب "لا" في استفتاء عام 1961 بشأن السلام في الجزائر يؤدي إلى حالة الحصار. حوادث بتحريض من جبهة التحرير انفجرت في وهران. تسببت بمقتل 25 شخص ليغادر بعدها الأوروبيون أحياء الجزائريين.
في المدينة ذات الغالبية الأوروبية (وهران) قامت منظمة الجيش السري بمهاجمة الأوروبيين الذين يختلفون معها وكانت المدينة هي الملاذ الأخير للمنظمة. في ديسمبر 1961 إغتالت العقيد رانسون، رئيس مكتب وهران 2.
في عام 1962 وافقت فرنسا على مبدأ إجراء استفتاء لتقرير المصير في الجزائر، لتندلع الاشتباكات بين الجزائريين والأوروبيين في وهران. في 13 يناير 1962 قام كومندوز من منظمة الجيش السري بإعدام ثلاثة من أعضاء حزب جبهة التحرير الوطني في سجن وهران، وفي اليوم التالي تم قتل أربعة هاربين.
في الربيع وطوال الصيف عانى الأوروبيون والجزائريون المؤيدون لحزب جبهة التحرير الوطني من أسوأ أهوال حرب الجزائر جراء القتال الدامي بين قوات النظامية وأعضاء منظمة الجيش السري. هذه الأخيرة أحرقت ميناء وهران بتفجير سيارتين ملغومتين في أحياء الجزائريين بتاريخ 26 يونيو، سُجل 23 قتيلا واصيب 2. في الشهر الموالي نشبت أحداث بين القوات النظامية وأعضاء المنظمة على خلفية القبض على رئيسها في وهران الجنرال إدموند جوهود أحد المشاركين في انقلاب الجنرالات على ديغول في 23 أبريل 1961. أربع أيام فيما بعد حاولت المنظمة دفع الأوروبيين إلى طرد الجزائريين خارج وهران. في أواخر أبريل انطلقت معركة بين الدرك الفرنسي والمنظمة. قتل في 14 جوان الجنرال غيناست والعقيد-طبيب مابيل. بعد ثلاثة أيام استسلمت منظمة الجيش السري في وهران.
الإستقلال
يوم 5 يوليو 1962 وفي حين كانت جميع أنحاء الجزائر تحتفل بالاستقلال، كانت هناك أحداث درامية بوهران هي مذبحة 62. انطلقت الحشود في مجزرة انتقامية من الغربيين. الجنرال كاتز رفض التدخل، الملازم رابح خليف مسلم في 29 من عمره على رأس 300 مقاتل وضع حد لفصيلة من جيش التحرير الوطني الجزائري وتمكن من تحرير 400 رهينة أوروبية محكومة بالإعدام من قبل جبهة التحرير ثم لجئ إلى فرنسا.
اتفاقيات إيفيان نصت على إيجار القاعدة البحرية بالمرسى الكبير وملحقاتها العسكرية لمدة 15 عاماً، لكنها استعيدت عام 1967.
19 يونيو 1965 إحتضنت وهران لقاء القرن الودي بين الجزائر والبرازيل، جرى اللقاء في ملعب أحمد زبانة أمام 60.000 متفرج وبحضور أحمد بن بلة الرئيس الأول للجزائر المستقلة واللاعب القديم لأولمبي مرسيليا. أقيمت خلال سنوات السبعينات من القرن العشرين الصناعة البترولية بأرزيو. في الوقت الذي قام فيه الهواري بومدين بانقلاب على بن بلة في خطوة سميت آنذاك بالتصحيح الثوري.
قامت السلطات بتحويل مجرى سد تافنة إلى المنطقة الصناعية وميناء أرزيو. لضمان صادرات النفط والغاز وبذلك تم حرمان عاصمة غرب البلاد من كمية كبيرة من المياه العذبة.
مع مطلع الثمانينات هدمت السلطات حي لاكالير (بالإسبانية: La Calère) الذي كان يقع على سفح جبل مرجاجو والذي بناه الإسبان أثناء وجودهم في المدينة. هذا الحي القديم للصيادين بالوسط التاريخي والتراثي لوهران كان يعتبر أقدم حي بالباهية.
شهدت الحياة السياسية مطلع التسعينات سيطرة المحافظين الدينيين. فوز الفيس في ديسمبر 1991 بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية ثم إلغاء نتائج التصويت في اليوم الموالي ما أدى إلى مظاهرات سياسية من جميع الجهات في وهران كما في بقية الجزائر.
انطلاقاً من عام 1992 بدأت فترة طويلة من العنف. تواجهت خلالها الدولة والجماعات المسلحة. حفظت وهران نسبياً من أعمال العنف المستشرية في البلاد. ومع ذلك فإنها شهدت بعض الاغتيالات لبعض رموزها المشهورين، أغتيل عبد القادر علولة الذي يعتبر في جميع أنحاء المغرب العربي واحدا من الكتاب المسرحيين الأكثر شعبية في 10 مارس 1994، 29 سبتمبر من نفس السنة يغتال ملك الراي الشاب حسني.