موضوع: معنى الثقافة الأربعاء 29 ديسمبر 2010 - 4:35
معنى الثقافة
الثقافة هي روح الأمة وعنوان هويتها، وهي من الركائز الأساس في بناء الأمم وفي نهوضها، فلكل أمة ثقافةٌ تستمدّ منها عناصرها ومقوماتها وخصائصها، وتصطبغ بصبغتها، فتنسب إليها. وكل مجتمع له ثقافتُه التي يتسم بها، ولكل ثقافة مميزاتها وخصائصها. ويعرف التاريخُ الإنسانيُّ الثقافةَ اليونانية، والثقافة الرومانية، والثقافة الهلِّينية، والثقافة الهندية، والثقافة المصرية الفرعونية، والثقافة الفارسية. ولما استلم العرب زمام القيادة الفكرية والثقافية والعلمية للبشرية في القرن السابع للميلاد، واستمروا في مركزهم المتميّز إلى القرن الخامس عشر منه، عرف العالم الثقافة العربية الإسلامية في أوج تألقها، حتى إذا ما تراجع العرب والمسلمون عن مقدمة الركب الثقافي العالمي، ودبَّ الضعف في كيانهم، وتوقفوا عن الإبداع في ميادين الفكر والعلم والمعرفة الإنسانية، انحسر مدُّ ثقافتهم، وغلب عليهم الجمود والتقليد، وضعفوا أمام تيارات الثقافة الغربية العاتية التي أثّرت بقوةٍ في آدابهم وفنونهم وطرق معيشتهم.
والثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية أصلاً، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط : ثقف ثقفاً وثقافة، صار حاذقاً خفيفاً فطناً، وثقَّفه تثقيفاً سوَّاه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه.
واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقيّ الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. والثقافة ليست مجموعةً من الأفكار فحسب، ولكنها نظريةٌ في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجمالاً، وبما يتمثّل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعبٌ من الشعوب، وهي الوجوه المميّزة لمقوّمات الأمة التي تُمَيَّزُ بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدّسات والقوانين والتجارب. وفي الجملة فإن الثقافة هي الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
وتتميّز الثقافة بعدة خصائص منها :
أ) أنها ظاهرة إنسانية، أي أنها فاصلٌ نوعيُّ بين الإنسان وسائر المخلوقات، لأنها تعبيرٌ عن إنسانيته، كما أنها وسيلتُه المثلى للالتقاء مع الآخرين.
ب) أنها تحديدٌ لذات الإنسان وعلاقاته مع نظرائه، ومع الطبيعة، ومع ما وراء الطبيعة، من خلال تفاعله معها، وعلاقاته بها، في مختلف مجالات الحياة.
ت) أنها قوام الحياة الاجتماعية وظيفةً وحركةً، فليس من عمل اجتماعي أو فنّي جمالي أو فكري يتم إنسانياً خارج دائرتها. وهي التي تيسّر للإنسان سبل التفاعل مع محيطه مادةً وبشراً ومؤسسات.
ث) أنها عملية إبداعية متجدّدة، تُبدع الجديدَ والمستقبليَّ من خلال القرائح التي تتمثّلها وتعبّر عنها، فالتفاعل مع الواقع تكييفاً أو تجاوزاً نحو المستقبل، من الوظائف الحيوية لها.
ج) أنها إنجازٌ كمّيٌ مستمر تاريخياً، فهي بقدر ما تضيف من الجديد، تحافظ على التراث السابق، وتجدّد قيمه الروحية والفكرية والمعنوية، وتوحّد معه هويةَ الجديد روحاً ومساراً ومثلاً، وهذا هو أحد محركات الثقافة الأساس، كما أنه بُعدٌ أساسٌ من أبعادها.