موضوع: مقال عن كتاب ألف ليلة وليلة الأحد 9 يناير 2011 - 6:58
ألف ليلة وليلة
حكايات شعبية جمعت في كتاب، وصل إلينا مدوناً يحمل خصائص الأدب الشعبي الذي يتوجه إلى السامعين ليمتعهم بالأسمار، فيروي الأحداث ويمزج فيها الواقع بالأسطورة والحقيقة بالغرائب والعجائب.
ويتداخل الزمان والمكان في حكايات ألف ليلة وليلة مثله في ذلك مثل الحكايات الأسطورية، وتحكي قصصاً من التاريخ والعادات وأخبار الملوك وعامة الناس، وعن العيارين واللصوص والمستغلين، كما تتحدث عن الجن والعفاريت والمردة، وفيها قصص على ألسنة الحيوانات. وتمثل الحكايات بيئات الرافدين وحاضرتها بغداد في العهد العباسي، ومصر وبلاد الشام في العهد الفاطمي وما بعده. ويبدو أن تسمية الليالي بألف ليلة سببها رواية الحكايات على ليال متتالية تمتد زمناً طويلاً، وقد تعزى إلى تفاؤل العرب بلفظ ألف.
أصل الكتاب
ليس من اليسير على الباحث معرفة مؤلفي حكايات هذا الكتاب وما قام به كل منهم، ومما لا شك فيه أن ما نعنيه بالكتاب لا يجري مجرى التأليف على النحو الذي نقصده اليوم، ذلك أن القاص، وإن كان ينقل الحكايات شفاهاً إلى مستمعيه، فقد كانت له نسخته المدونة التي كان يروي حكاياتها بأسلوبه الخاص، ولهذا نقل القصاصون الحكايات وفق لهجاتهم المتعددة، وعصورهم المختلفة، وأقطارهم التي كانت تسرد فيها الحكايات.
وقد اتفق أكثر دارسي كتاب ألف ليلة وليلة، من العرب والمستشرقين، على أنه يمكن تقسيم أصول الكتاب إلى مجموعات من الحكايات على الوجه التالي:
المجموعة الأولى: وتضم مقدمة هي أصل الكتاب ونواته، وهي أقاصيص هندية وفارسية تسمى هزار أفسانة (ألف خرافة) ويستدل على ذلك بما أورده كل من المسعودي وابن النديم، فقد جاء في مروج الذهب للمسعودي (ت346هـ) حين عرض لأخبار شدّاد بن عاد ومدينة إرم ذات العماد: «أنّ هذه أخبار موضوعة، في خرافات مصنوعة، نظمها من تقرّب من الملوك بروايتها، وأن سبيلها سبيل الكتب المنقولة إلينا والمترجمة من الفارسية والهندية والرومية، مثل كتاب هزار أفسانة، وتفسير ذلك بالفارسية ألف خرافة، والناس يسمون هذا الكتاب ألف ليلة».
ويأتي بعده ابن النديم (ت385هـ) فيذكر في الفهرست في المقالة الثامنة من الفن الأول من أخبار المسامرين والمخرّفين (أي الذين يروون الحكايات الخرافية) وأسماء الكتب المصنفة في ذلك ما نصّه عن محمد بن إسحاق: «أول من صنف الخرافات وجعل لها كتباً وأودعها الخزائن وجعل بعض ذلك على ألسنة الحيوان الفرسُ الأُوَل، ونقلته العرب إلى اللغة العربية، وتناوله الفصحاء والبلغاء فهذبوه ونمقوه وصنفوا في معناه ما يشبهه، فأول كتاب عمل في هذا المعنى كتاب هزار أفسان، ومعناه ألف خرافة، وكان السبب في ذلك أن ملكاً من ملوكهم كان إذا تزوج امرأة وبات معها ليلة، قتلها من الغد، فتزوج بجارية من أولاد الملوك ممن لها عقل ودراية يقال لها شهرزاد، فلما حصلت معه (تزوجته) ابتدأت تخرّفه (تروي له حكايات مشوقة) وتصل الحديث عند انقضاء الليل بما يحمل الملك على استبقائها، ويسألها في الليلة الثانية عن تمام الحديث، إلى أن أتى عليها ألف ليلة، ورزقت منه ولداً فأظهرته، وأوقفته على حيلتها عليه فاستعقلها ومال إليها واستبقاها، وكان للملك قهرمانة يقال لها دينار زاد فكانت موافقة لها على ذلك»، ثم يقول ابن النديم: «والصحيح أن أول من سمر بالليل الاسكندر، وكان له قوم يضحكونه ويخرفونه واستعمل لذلك بعده الملوك هزار أفسان ويحتوي على ألف ليلة وعلى دون المئتي سمر، لأن السمر ربما حدث في عدة ليال، وهو بالحقيقة كتاب غثّ بارد الحديث».
وهكذا نرى أن المؤرخَيْن متفقان على وجود كتاب في العربية منقول عن هزار أفسانة الفارسي، وأن اسمه كان ألف خرافة وترجم باسم ألف ليلة، وإن كان بين المؤرخَيْن بعض الاختلاف في رواية تفاصيل قصة شهرزاد.
وتشمل قصص هزار أفسانة، أو نواة ألف ليلة، إضافة إلى حكاية شهرزاد، حكاية التاجر مع العفريت، وحكاية الصياد مع العفريت، وحكاية حسن البصري، وحكاية الحصان المسحور الأبنوسي، وحكاية باسم وجوهرة السمندلية، وحكاية أردشير وحياة النفوس، وحكاية قمر الزمان ابن الملك شهرمان والأميرة بدور، وحكاية سيف الملوك وبديعة الجمال.
وفي الفارسية بعض الحكايات التي تقابل هذه الحكايات، غير أن الدارسين اختلفوا في الأصل الفارسي لبعضها وأرجعوه إلى أصل هندي كقصة شهرزاد التي بنيت عليها الليالي، مستدلّين على ذلك بقصص يشبه الباعث الأول لتأليفها، وهو اكتساب الوقت وثني المتهور عن عزمه، بقصص هندية تدور حول الباعث نفسه كقصة «سوكا سابتاتي» التي تدور حول حكاية ببغاء ذكية تحول بين زوجة صاحبها وبين خيانتها لزوجها المسافر بأن تشغلها بسرد قصص لا تتمها في ليلتها، وتختمها دائماً بقولها: سأقص بقية القصة غداً إذا بقيتِ في البيت، وهكذا تغريها بالبقاء وعدم الخيانة حتى يعود زوجها.
ويضاف إلى ذلك أن الحكايات الهندية تكوّن سلسلة متماسكة الحلقات متعاقبة الخطوات، يتصل بعضها ببعض، فتستدعي الحكاية رواية حكاية أخرى، ومن لوازمها أن يقول القاص الهندي للسامع في ذكر أحداث قصته: لا تفعل ذلك وإلاّ أصابك ما أصاب فلاناً، فيسأل السامع بعبارة: وكيف كان ذلك؟ فيجيب القاص برواية أخرى. ونجد أحياناً هذا الأسلوب في ألف ليلة وليلة.
والحكايات في أوائل جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة من الكتاب تمثل هذه الطريقة التي قام عليها هيكل الكتاب، وتحمل السمات القديمة للحكايات الشعبية الهندية التي وجدت طريقها إلى الفارسية ثم إلى العربية عن طريق الترجمة في أيام العصر العباسي الأول، وإن أصاب الحكايات كثير من التبديل والتغيير والتهويل والتكرار.
ثم تجمعت حول هذه الحكايات ـ نواة ألف ليلة ـ حكايات عربية مختلفة، وامتدّ ذلك ما بين القرنين الرابع والعاشر الهجريين، وفي هذه الحكايات أقسام واضحة تؤلف المجموعتين البغدادية والمصرية.
المجموعة البغدادية: وتشمل هذه المجموعة حكايات شعبية عربية قديمة متوارثة كانت تتناقلها الأجيال وحكايات عربية ألفها المسلمون في العصر العباسي وحوادث وسيراً تاريخية. ويذكر ابن النديم أنّ الجَهْشياري صاحب كتاب الوزراء: «ابتدأ بتأليف كتاب اختار فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم والروم وغيرهم. كل جزء قام بذاته، لا يعلق بغيره، وأحضر المسامرين وأخذ عنهم أحسن ما يعرفون ويحسنون، واختار من الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات ما يحلو بنفسه، فاجتمع له من ذلك أربعمئة ليلة وثمانون ليلة، كل ليلة سمر تام يحتوي على خمسين ورقة وأقل وأكثر، ثم عاجلته المنية قبل استيفاء ما في نفسه من تتميمه ألف سمر» ويضيف ابن النديم: «وكان قبل ذلك ممن يعمل الأسمار والخرافات على ألسنة الناس والطير والبهائم جماعة منهم عبد الله بن المقفع وسهل بن هارون وعلي بن داود». كما يذكر ابن النديم كتباً كثيرة، مؤلفة أو مترجمة من كتب الأسمار، عرفها العرب في أيام خلفاء بني العباس، ولاسيما في أيام المقتدر بالله (حكم 295 - 320هـ) ويذكر أن الأسمار والخرافات كان مرغوباً فيها مشتهاة، فصنّف الورّاقون فيها وكذبوا.
وقد تجمّعت هذه الحكايات في مدى القرنين الرابع والخامس للهجرة، مما أثر عن الرواة ودوّن في الكتب، وأضيف إليها حوادث تاريخية دخلتها زيادات وتعديلات فضلاً عن كثير من سير الشعراء والأشخاص الذين عاشوا في زمن العباسيين كأبي نواس وأبي دلامة، واستغلت تلك الحكايات والأخبار استغلالاً متنوع الغايات. وأشهر حكايات هذا القسم: حكاية علي بن بكار وشمس النهار، وحكاية أنس الوجود والورد في الأكمام، إلى غير ذلك من الحكايات التي يصوّر أكثرها المحبين وما يلاقون في حبهم، كما تصوّر حياة النعيم والترف، وتبيّن ما وصلت إليه الحضارة في بغداد والبصرة من ترف وأبّهة، وتشهد على الغنى في الأسواق، وتمثل الجواري في المقاصير، وتجعل من الرشيد مثالاً للعدل والصلاح.
المجموعة المصرية من الحكايات: يرى كثير من الباحثين في الأدب أن صورة كتاب ألف ليلة وليلة عرفت طريقها إلى مصر نحو منتصف القرن الخامس الهجري، وأنها ظلّت تزاد على مرّ الزمن وتنمو، فتكوّنت المجموعة المصرية الجديدة التي هي أكبر أقسام ألف ليلة وليلة، وفيها كُررت موضوعات بعينها أو قصص صغيرة، وإن تغيرت أسماء أبطالها ثم أُلفت قصص جديدة. وتضم هذه المجموعة ما كتب من القصص في مصر أو بلاد الشام، لاتصال البلدين بصلة وثيقة أيام الفاطميين ثم المماليك والعثمانيين، وقد تألفت هذه القصص ما بين القرنين الخامس والعاشر الهجريين من القصص العربية والتقاليد الإسلامية والأساطير الشرقية.
ويشير المَقَّري (ت1041هـ) في نفح الطيب إلى أن ابن سعيد الأندلسي الغرناطي (615-685هـ) يذكر في كتابه «المحلى بالأشعار» ما يدل على أن كتاب ألف ليلة وليلة كان شائعاً ومعروفاً في مصر في القرنين الخامس والسادس الهجريين.
تتألف قصص ألف ليلة وليلة في المجموعة المصرية من قسمين: قسم قديم ينتهي في القرن الثامن الهجري، وقسم حديث ينتهي في القرن العاشر الهجري.
أما القسم القديم فحسن الأسلوب مطّرد السياق مهذب العبارة، يدور حول المغامرة والحرب وتعارض الأخلاق وتضارب العواطف، وتعتمد القصص فيه على الطلاسم والأرصاد والجن والسحر والقدر، كحكاية «جودر التاجر وإخوته»، وحكاية «مسرور التاجر مع معشوقته زين المواصف»، وحكاية «علي شار مع زمرد الجارية».
أما القسم الثاني من الحكايات المصرية فأكثره ركيك الأسلوب جريء العبارة، تدور أحداثه حول حيل المحتالين ومكايد العيّارين ومخاطر اللصوص، إلى جانب قصص التصوف والزهد السائدين في المجتمع المصري آنذاك، وأشهر حكايات هذا القسم حكاية «معروف الإسكافي» وحكاية «أبي قير وأبي صير» وحكاية «مدينة النحاس» وحكاية «علي الزيبق ودليلة المحتالة» وحكاية «زينب النصابة» وحكاية «الرجل الصعيدي وامرأته الإفرنجية».
مجموعة القصص التي أضيفت كاملة إلى كتاب ألف ليلة وليلة: وهذه القصص ترد في نسخ من دون الأخرى، وكانت إضافتها ليبلغ عدد الليالي الألف، كما يدلّ على ذلك عنوان الكتاب، وأشهر هذه القصص قصة «السندباد».
مجموعة الأخبار: وهي الأخبار المنتزعة من التاريخ الماضي والتاريخ المعاصر لتلك القصص عن عجائب البلاد والخلق وأخبار الملوك وآدابهم.
جمع كتاب ألف ليلة وليلة
ترى سهير القلماوي أن النسخة المصرية من الكتاب جمعها مؤلف مصري، وأدخل فيها تحويراً أو تعديلاً في الجمع وفي الأسلوب طبعها في جملتها بالطابع المصري، ثم أضيفت إليها قصص جديدة وحذفت منها قصص أخرى، ولهذا اختلفت النسخ في عدد القصص وترتيبها، وإن اتفقت كلها في جوهر الكتاب في حين يرى المستشرق وليم لين W.Lane أن هذا الكتاب قد تجمعت قصصه حتى نهاية القرن التاسع الهجري وأعاد تأليفه مؤلف شاميّ، وأن ما بين النسخ من وصف حالات اجتماعية متوافقة يدل على أن الجامع واحد، وذلك على الرغم من الفروق بين النسخ المختلفة، وأنه ليس بين قصص هزار أفسانة وبين ألف ليلة وليلة من روابط إلاّ المقدمة ولفظ «ألف».
أما الدنماركي أويسترب Oestrup فيرى أن «الليالي» مجموعة قصص يختلف عددها وترتيبها باختلاف جامعها في نسخة واحدة، في إطار واحد، ويرى أن القصص قد تحوّلت على مرّ العصور واستمرت في النمو والتغيير، وكانت دائماً ذات صبغة شعبية عند عامة المسلمين، يُضْفى عليها ما يدل على أنها من بلد عربي.
أما ماكدونالد Mecdonald فيرى أن ألف ليلة وليلة عنوان دلّ على أشياء مختلفة في عصور مختلفة، وقد مرّت مادة الليالي بأطوار ثلاثة: الأول وجودها على ألسنة العامة وفي ذاكرتهم، وهي أدب شعبي صرف، والثاني تهيئة هذه العناصر على أيدي كتّاب وأدباء لتصبح قصصاً مكتوبة ومسموعة، وآخر طور استعانة ناشري ألف ليلة وليلة بمواد جاهزة أضافوها كما هي إلى الليالي.
ويتفق الدارسون على أن ألف ليلة وليلة في كل نسخها تتفق في جوهر الكتاب الذي يبدو في الأمور التالية:
ـ إن الكتاب قصص شعبية يتوجه قاصها إلى السامعين لإمتاعهم.
ـ إن الكتاب يصور الحياة في المجتمعات على اختلافها، لذلك تتعارض مذاهبه وتتناقض مراميه وتختلف الآراء فيه، لأنه يمثل المجتمع في أزمان متباينة وأطوار مختلفة.
ـ إن الكتاب في كل نسخه ـ على ما بينها من اختلاف ـ يعتمد على قصة شهرزاد التي تكوّن الإطار العام لليالي والمقدمة في كل النسخ المخطوطة والطبعات الموجودة.
ـ إن قصص الكتاب لم تلاق تشجيعاً عند الأدباء وأصحاب الفن الراقي، لذلك عمل واضعو القصص على أن يكون فيها عبرة لتجعل للأدب المسموع قيمة.
ـ إن الكتاب اعتراه كثير من التحوير والزيادة لأن طبيعته كانت تسمح بالتصرف فيه، أما الزيادة فتبدو في إضافة الأحداث القصصية الخارقة، أو التفاصيل الخرافية المبالغ فيها، أو الأشعار الدخيلة عليها، أو وضع قصص جديدة توجد في بعض النسخ ولا توجد في سواها، كما يبدو التصرف في تقسيم الأسمار إلى ليالٍ على نحوٍ اعتباطي، يطول أو يقصر بحسب رغبة القاص، ولذلك يختلف هذا التقسيم من نسخة إلى أخرى.
ويبدو أن الأسمار التي أدخلها النسّاخ على الليالي أضيفت بعد أن وصل الكتاب إلى أيديهم، فطبقوا ما جاء في المقدمة على ما بين أيديهم من أسمار، يؤيد ذلك اختلاف النسخ في تقسيم الليالي، وما ذلك إلا ليحققوا التقسيم إلى ألف ليلة. ومما لا شك فيه أن العدد ألف يدل على التكثير وليس على عدد الأسمار تحديداً.
أسلوب الكتاب
يختلف أسلوب قصص الكتاب بحسب مجموعاته، فهو في المقدمة والمجموعة البغدادية، غالباً، متين العبارة، حسن السبك، دقيق الوصف، كثير السجع، قليل الفضول، وإن كان يسفّ أحياناً ويتجرأ بالعبارة النابية عن الحشمة. وهو في المجموعة المصرية الأخيرة مهلهل النسج، عامي اللفظ، فيه تهويل ممجوج، وهو سيء التلفيق، شديد الوطأة على الحياء، لصدوره عن قصاصين يتملقون شهوات العامة بالإفحاش.
غير أن أسلوب الكتاب على العموم يتسم بالوضوح والصراحة والتشويق والبعد عن التعقيد والتكلف، ولغة الكتاب بسيطة صادقة، شعبية، صريحة، جريئة الإشارة، تراوح بين الفصحى والعاميّة، فتساير العامة وتلذّ لهم.
ويتخلل القصص شعر، يفتقر أحياناً إلى الوزن السليم وقد وضع القصاصون الأشعار لتطويل القصة حيناً أو للتأثير في السامعين حيناً آخر. وهذه الأشعار قد تكون أشعاراً منقولة عن شعراء مجيدين، حفظها القاص فزيّن بها موقفاً، أو أشعاراً أراد بها أن ينسج على منوال ما حفظ، فهي أبيات ركيكة غالباً من السهل تمييزها من الأصل الجيّد، ويتردد الشعر عادة على لسان بطل القصة في مواقف الوعظ، ويكثر في مواقف فراق العاشقين، وتبدو معظم الأشعار دخيلة على سياق القصة لا تتناسب وأحداثها.
مضمون الكتاب
تأتلف في كتاب ألف ليلة وليلة النزعات البشرية وأساطيرها وثقافتها القديمة، ولكن لا يمكن اعتمادها مصدراً للتاريخ، إذ يمتزج في قالبها القصصي الأسطورة مع الخيال الشعبي، والواقع مع المبالغة، وسرد الحوادث الخيالية وكأنها الحقيقة. وتستوفي بعض القصص شروط الفن القصصي ويفتقر بعضها إلى الترتيب والتناسق، ويعتمد كثير من القصص على كثرة الحوادث وتسلسلها مع عرض نماذج مختلفة من البشر.
والأقسام المهمة الأساسية في الليالي هي الخرافات ثم قصص الغرام ثم الأساطير أو القصص القديمة، ثم القصص التعليمية والفكاهية وأخيراً الأحاديث والأخبار.
وقد ملئت الليالي بذكر الجن والعفاريت، واحتلّ جنُّ سليمان مكانة ممتازة. وتقوم العفاريت غالباً بدور الحبّ والسحر واللهو بالبشر، كما في قصة قمر الزمان ابن الملك شهرمان. وتظهر الليالي قدرة الجن الخارقة، وهي القدرات التي تميّزها من الأنس، ويدخل السحر في شفاء المرضى وفي تحويل الآدميين إلى حيوانات وأحجار وفي إظهار المخبوء من الكنوز. والساحر غالباً ما يكون مجوسياً.
ويلحظ في نفوس أبطال القصص الشعور الديني الإسلامي الذي يعكس المعتقدات الدينية الشعبية كما يبدو أثر القرآن والسنة في الحياة الاجتماعية الشعبية التي تصورها الليالي، وخاصة في الجزء المصري منه، ويتجلى الروح الإسلامي في القصص في الإذعان للقضاء والقدر، وأن كل شيء مسطور في كتاب، لذلك على الإنسان أن يتوكل دائماً على الله، كما يبدو هذا الروح في إحقاق العدل في آخر تتابع الأحداث.
وتسيطر على أكثر قصص الكتاب بيئة التجار المتصلة بطبقة الحكام من جهة وبطبقة الفقراء المقتر عليهم في الرزق من جهة أخرى. ومع أن بعض القصص يرجع إلى أصل هندي أو فارسي فقد صبغها القصاصون بالروح الإسلامي، وأدمجوها في الحياة الاجتماعية عند المسلمين.
وقد صورت الليالي في القصص المصرية بيئة عجيبة هي بيئة الشطّار والعيارين، كما صورت بيئة الطبقات الفقيرة التي لا تكاد تجد قوتها، ثم تمتعها بالغنى بعد أن تفتح لها الكنوز المرصودة.
واحتلت المرأة في كتاب الليالي مكانة كبيرة وحيّزاً بارزاً متعدد الجوانب متباين الأبعاد، فتنوعت صورها واختلفت اختلافاً بيناً، وليس ذلك بغريب، إذ إن الكتاب لا تجمعه وحدة المؤلف ولا العصر، فهو لذلك يجمع أشتاتاً من صور المرأة على مرّ العصور في مختلف البيئات. ففي الليالي صور كثيرة عن ملكات وعن نساء عاديات، ميسورات وفقيرات، وقد استمدت الشخصيات من الواقع حيناً ومن خيال القاص أحياناً، وأكبر دور قامت به المرأة في الليالي هو دور العاشقة، وهي في كل صور هذا الدور، سواء أكانت ملكة أم جارية مشتراة، تخضع لحبيبها وتناديه يا سيدي، وتقوم على خدمته، وهي في سبيل حبها تبدو أحياناً خائنة لزوجها، قادرة على الكيد للوصول إلى من تحبّ والتخلص من زوجها.
والعجوز في هذه القصص شمطاء، وهي مصدر شر كبير، تفرّق المحبين وتكون وسيلة بشعة للكيد والانتقام، وكثيراً ما يستعين بها اللصوص أحياناً، ونجدها في أحيان أخرى تجمع بين المحبين بطرق مشروعة أو غير مشروعة.
والمرأة غالباً ذات دهاء ومكر، وقد يبدو ذلك في كيدها السياسي كما في «شواهي» بطلة قصة عمر النعمان وولديه.
وهناك المرأة المحاربة، والمرأة الجارية العالمة كما في شخصيتي «نزهة الزمان، وتودد».
وفي القصص نساء من الجن يعشن كالنساء العاديات في الحب والكره، وإن كانت لهن قدرات غير عادية.
ولقد أفاضت القصص في وصف النساء ومفاتنهن، وكان هذا من أسباب رواج هذه القصص شعبياً.
وأخيراً، ومع سيطرة فكرة ظلم الرجل للمرأة وحظها المنكود، فإنها تحتلّ المقام الأول فيما يحدث في القصة من أحداث وما يثار فيها من عواطف.
ترجمة الكتاب وطبعاته
لا شك في أن أول من نبه الغرب على وجود الكتاب هم المستشرقون الذين قاموا بترجمته، ثم انكبّوا على دراسته. وأول ما لفت نظر الغربيين إلى الكتاب الترجمة التي قام بها أنطون غالان Antoine Galland وهو أستاذ فرنسي تخصص في العلوم الشرقية، وكان قد ترجم قصص السندباد، ثم وجد أن هذه القصص جزء من مجموعة كبيرة من هذا النوع بعد أن أرسلت إليه من حلب أربعة مجلدات من هذا المؤلَف الضخم، فبدأ بالترجمة سنة 1704م، وانتهت طباعة الكتاب سنة 1717م، وقد ترجم ثلاثة مجلدات من المجلدات الأربعة.
ولكن هذه الترجمة لم تكن أمينة، فلم يترجم غالان كل الليالي، وزاد بين المجلد الثاني والثالث قصص السندباد، وتصرّف في ترجمته فأضاف وحذف وغيّر، حتى يلائم الذوق الأوربي، وقد لاقت الترجمة الفرنسية نجاحاً لأن النص كتب بلغةٍ فرنسيةٍ ناصعة سلسة جميلة، يتداولها القارئ الفرنسي بسهولة. لذلك أعيد طبع الليالي مراراً، وظلت هذه الترجمة طوال القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر تمثّل للأوربيين المعنى المفهوم لألف ليلة وليلة.
وقد صدرت عن هذه الترجمة ترجمات إلى اللغات: الإنكليزية والألمانية والإيطالية والدنماركية والروسية والفلمنكية والرومانية والهولندية واليونانية والسويدية والبولونية والهنغارية.
ومن أشهر ترجمات الليالي ترجمة هابِكْت Habicht الألماني الذي أصدرها في برسلو (1837 - 1841م) وأغلب الحكايات الواردة فيها وأهمها أخذت بطريقة غير مباشرة من مخطوط غالان وترجمة هنري تورنز (Henry Tornes (1838. ومن أشهر هذه الترجمات كذلك ترجمة وليم لين (1839) الذي ترجم الشعر في الليالي إلى شعر إنكليزي، ولكنه لم ينجز إلا الليالي الخمسين، ثم ريتشارد بورتُن Burton الذي نشر ترجمة ضخمة في عشرة أجزاء وأتبعها بملحق من سبعة أجزاء وصدرت ما بين 1886 و1888م، وقد حافظ على تقسيم الكتاب إلى ليال بعد أن أهمل المستشرقون هذا التقسيم. وهناك أيضاً ترجمة مارْدروسي الفرنسي (Mardrus (1899.
ثم عمد بعض المستشرقين إلى ترجمة الليالي عن الأصل العربي فكان من أبرز هذه الترجمات ترجمة كرايمسكي Krymski الروسي (1904)، وإنوليتنمان Enolittnman الألماني مابين 1921 و1928.
كما شغل المستشرقون بالبحث في أصل الليالي، فلم تخل ترجمة من مقدمة تدرس الليالي وتتكلم عن أصلها، أو تحلل بعضاً من قصصها، وأول عالمين أسهبا في بحث هذا الموضوع سلفستر دي ساسي وفون هامر.
ومع تعدد النسخ المخطوطة التي أخذت عن الطبعات العربية المختلفة، فإنه يمكن إرجاع النسخ المخطوطة إلى ثلاث مجموعات مختلفة: مجموعة آسيوية، ومجموعتين مصريتين. فأما المجموعة الآسيوية فتشمل القسم الأول من الكتاب وقد طبعت في كلكتة في جزأين ما بين سنتي 1814 و1818 وهي نسخة كلكتة الأولى ـ أول مخطوطة طبعت ـ ثم نسخة برسلو بإشراف هابكت في اثني عشر جزءاً مابين سنتي 1825 و1843. ثم طبعت المجموعتان المصريتان، وبينهما اختلاف شديد في الأسلوب والترتيب والعدد والقصص، جمعها ماكناتن Macnaghten في أربعة مجلدات ما بين 1830 و1842 فكان منهما نسخة كلكتة الثانية. ثم كانت طبعة بولاق في القاهرة في مجلدين، وهي أصح الطبعات، وعنها صدرت جميع الترجمات التي لم تعتمد على ترجمة غالان.
وهناك طبعة الآباء اليسوعيين التي حذف منها كثير من الأحداث، وهذب فيها كثير من العبارات مما أبعدها عن الأصل.
أثر «الليالي» في الأدب الغربي
أثارت ألف ليلة وليلة في نفوس الغربيين شغفاً بجمع الأدب الشعبي ودراسته على نحوٍ لم يكونوا قد بدؤوا يحسون بالحاجة إليه أو الحافز نحوه، كما أثارت في نفوسهم التطلع إلى معرفة هذه الشعوب التي أنتجت هذا الأثر والتي دارت حوادث الكتاب حولها. وقد كانت ألف ليلة وليلة في عداد الحوافز التي دفعت الغرب إلى زيادة اهتمامه بالشرق إضافة إلى النواحي الاستعمارية والتجارية والسياسية، وكان لها تأثيرها في حركة الاستشراق وتوق الأدباء إلى زيارة البلاد الشرقية، ويمثل هذا المستشرق لين الذي زار الشرق ثم أقام في مصر.
وتغلغلت الليالي في نفوس أدباء الغرب وأثّرت في أدبهم، وبدا ذلك في تأثرهم بالخيال والشخصيات التي دارت حولها القصص، وغدت ترجمة غالان للقصص جزءاً من الأدب العالمي، وأمدّت الليالي الأدباء بعالمٍ وافر من الشخصيات والحوادث. وقد استعان كثير من مؤلفي قصص الأطفال بما في الكتاب من أدب سهل، قريب المنال، يتسم بالبساطة والسذاجة التي هي من أخص مميزات قرائهم الأطفال، كقصة علاء الدين وقصة علي بابا وقصة السندباد، فكتبوا في أدب الرحلات التي تتسم بالمغامرات كرحلات غولفر Gullever وروبنسون كروزو Robenson Grusoe والرحلات التي ألفها جول فرن Jules Verne.
واستمدت القصة الغربية من ألف ليلة وليلة آفاقاً جديدة وميادين مبتكرة لحوادثها وعواطفها، كما أصبحت صناعة المناظر المسرحية تعتمد اعتماداً قوياً في إبراز الأدب المسرحي الشرقي على الصورة التي أوحت بها الليالي، كذلك أثّرت ألف ليلة وليلة فأدخلت موضوعات جديدة في أدب الغرب كقصص الحيوان والجن، وأدخلت هذه الموضوعات في الفنون الأخرى كالرقص والرسم.
وغدت شخصية شهرزاد شخصية عالمية، وقد تأثر بها غوته، فراح يكتب عن الليلة الثانية بعد الألف، وكذلك فعل إدغار آلان بو بأسلوبه الساخر.
وقد أدّى الإقبال على تأليف قصص عن الشرق مستوحاة من ألف ليلة وليلة إلى استلهام الكتّاب الغربيين القصص الشرقية الأخرى التي ترجمت إلى لغاتهم بعد ترجمة ألف ليلة وليلة.
كذلك أوحت الليالي إلى الموسيقيين بأوبرات عالمية كأوبريت معروف الإسكافي، وباليه شهرزاد التي ألفها ريمسكي كورساكوف، وباليه ثورة الحريم.
وقد طبعت الليالي أكثر من ثلاثين مرة في فرنسة وإنكلترة في القرن الثامن عشر وحده، ونشرت نحو ثلاثمئة مرة بلغات أوربة الغربية منذ ذلك الحين.
قناص الحب
الجنس : عدد المساهمات : 401نقاط : 896
موضوع: رد: مقال عن كتاب ألف ليلة وليلة الأحد 9 يناير 2011 - 7:13