وثائق ويكيليكس بين إعلام متحيز وأكاذيب بوش
عانت مصر كثيرا فى الأعوام الماضية من اتهامات كثيرة، انهالت عليها من العديد من القنوات الفضائية سواء كانت عربية أو أجنبية، بهدف الانتقاص من الدور المصرى فى العديد من القضاياالإقليمية والقارية. وامتدت تلك الاتهامات إلى حد التآمر ضد قضايانا العربية والتى دفعنا الكثير من أجلها، دماءً غالية وأرواحا نفيسة، ثم خرج علينا بعد ذلك بوش الصغير، ليدلى بأكاذيب صغيرة مثله، مدعيا بأن مصر أخبرته بامتلاك العراق أسلحة بيلوجية، وطالبته بإسقاط النظام العراقى. وإن كانت تلك الأكاذيب لم تنجح فى أن تنال من مكانة مصر ودورها على المستويين الإقليمى والعالمى، إلا أن عدالة السماء أبت أن تمر الأمور دون أن يعود الحق لأصحابه من جديد.
تناولت الوثائق السرية والخاصة بوزارة الخارجية الأمريكية والتى نشرها موقع ويكيليكس، العديد من المواقف المصرية تجاه مختلف القضايا الإقليمية، والتى لا تختلف مع المواقف المعلنة من قبل المؤسسة الدبلوماسية المصرية، فمصر تساند الحق الفلسطينى وتدعم مبدأ التفاوض مع إسرائيل لحل القضية الفسلطينية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وترفض كذلك الحصار المفروض
على غزة، وأدانت الاعتداء الإسرائيلى الغاشم عليها، ترفض مصر إزدواجية المعايير الغربية تجاه الملف النووى الإيرانى، وتطالب بإخلاء منطقة الشرق الأوسط ككل من الأسلحة النووية. أبدت مصر كذلك رفضها القاطع لاحتلال العراق وحذرت من تداعيات ذلك على المنطقة ككل، كما رفضت الانسحاب الأمريكى من العراق قبل إعداد جهاز أمنى قوى يضمن استقرار العراق وسلامته. هذا بالإضافة إلى الجهد الدبلوماسى المصرى لتحقيق المصالحة الفلسطينية، ولم الشمل العربى.
لم تكن الوثائق السرية الأمريكية التى تم نشرها مؤخرا، دليلا قاطعا على نشاط الدبلوماسية المصرية وفاعليتها على المستويين الإقليمى والدولى فقط، وإنما جاءت أيضا لتخرس العديد من الألسنة التى تسعى لطمس الدور المصرى. ومن هنا يثور التساؤل حول قيمة المنابر الإعلامية، والتى لديها الكثير من الإمكانيات المادية والكوادر البشرية المؤهلة، دون أن يتوفر لها عنصرى الحياد والمصداقية، وهى العناصر الأهم التى لابد أن تتوافر فى العمل الإعلامى النزيه.
فى الواقع أن هناك العديد من القنوات والمنابر الإعلامية التى تعمل لصالح أجندات بعينها دون النظر إلى الدور الذى خلق الإعلام من أجله، وهو أن يعمل كمرآة للواقع، ورقيب على المجتمع بكل أطيافه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهو ما يعنى أننا أمام أزمة حقيقية تمس مصداقية العديد من القنوات الفضائية والتى تسعى فى سبيل تحقيق أهدافها إلى تغيير الواقع وتزييف التاريخ وتوجيه الرأى العام ضد ما يحقق المصلحة العامة، وكذلك تركز تلك القنوات دائما على السلبيات، والتى قد لا ننكر وجودها فى مجتمعاتنا، ولكنها فى ذات الوقت تتناسى العديد من الإيجابيات التى تشهدها بلادنا فى الآونة الأخيرة.
لم تكن مصر بحاجة إلى نشر مجموعة من الوثائق السرية حتى نرى دورها البارز على المستويين الإقليمى والدولى. فالدور المصرى ملموس ومعترف به من قبل كافة القوى الدولية الإقليمية، والتى تحرص دائما على إشراك مصر فى أى ترتيبات متعلقة بالمنطقة. ولعل الدور المصرى البارز كان سببا فى اختيار العديد من أبنائها لاعتلاء أرفع المناصب الدولية، مثل د. بطرس غالى والذى شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، د. نبيل العربى والذى عمل قاضيا بمحكمة العدل الدولية ، د. البرادعى والذى عمل كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك د. يوسف بطرس غالى والذى يرأس اللجنة المالية والنقدية بصندوق النقد الدولى و أخيرا د. محمود محيى الدين والذى يشغل منصب مدير بالبنك الدولى.
أعتقد أن الوثائق التى تم نشرها مؤخرا كانت بمثابة دليل دامغ على نزاهة الدور المصرى والذى يسعى دائما لنصرة قضايانا العربية، ولعلها كانت أيضا بمثابة لطمة قوية لهؤلاء الذين يلهثون وراء تحقيق ما يمكننا تسميته (بالسبق الإعلامى المفبرك) من أجل الإساءة لمصر وأبنائها الشرفاء، متناسين قيمة العمل الإعلامى ودوره المهم فى المجتمع. كما أنها أيضا تعد درسا مهما لنا حتى لا ننساق وراء أخبار مغلوطه تسعى فى الأساس لزعزعة استقرار مجتمعاتنا وعرقلة مسيرتنا.