سعد عنتر سعد مراقب
الجنس : عدد المساهمات : 2517 نقاط : 6975 العمر : 33
| موضوع: صفحات من تاريخ القاهرة الثلاثاء 18 يناير 2011 - 21:29 | |
|
إنشاء مدينة القاهرة
كان عهد المعز من أزهى العصور التى مرت عليها فزادت ثروة البلاد زيادة كبيرة وإنتعش الإقتصاد وراجت التجارة , وكانت القاهرة تسمى فى ذلك العصر " المدينة" أما مدينة القاهرة الحالية فتتكون من عده مدن قديمة بنيت فى عصور مختلفة وأطلق عليها إسم واحد هو القاهرة والمدن القديمة هى (23) :-
1. بابليون أو قصر الشمع : ويطلق عليها الآن مصر القديم وقد أسسها البيزنطيون – ويذكرها المؤرخون وخاصه إبن المقفع بإسم مصر
2. أم دنين : وهى الآن قلب القاهرة – منطقة محطة مصر
3. الفسطاط : بالقرب من عين الصيرة وقد أسس هذه المدينة عمر بن العاص يقول المقريزى (1) كتاب الخطط للمقريزى - المسماة بالمواعظ والإعتبار يذكر الخطط والآثار يختص ذلك بأخبار أقليم مصر والنيل وذكر القاهرة وما يتعلق بها وبأقليمها تأليف سيدنا الشيخ الإمام علامة الأنام / تقى الدين أحمد بن على بن عبد القادر بن المحمد المعروف بالمقريزى - الجزء الثانى ص 80 = مكتبة ألاداب 42 ميدان الأوبرا القاهرة فى خططه : " أن الفسطاط كانت على قسمين هما عمل فوق وعمل أسفل , فعمل فوق له طرفان غربى وشرقى , فالغربى من شاطئ النيل فى الجهة القبلية وأنت مار فى الشرق المعروف اليوم بالرصد إلى القرافة الكبرى والشرقى من القرافة الكبرى إلى العسكر وعمل أسفل ما عدا ذلك حد القاهرة وبها جامعه وكانت مقر إمارته وبقيت مركز الحكم حتى الإحتلال العباسى
4. العسكر : بين الفسطاط وجبل المقطم وقد أسس هذه المدينة ابو عون قائد جيش العباسيين الذى قضى على مروان آخر خلفاء الأمويين الهارب منهم إلى مصر وهى شمال الفسطاط .
5. 5 - القطائع : بجوار مدينة العسكر عند جامع إبن طولون , وأسسها أحمد بن طولون
6 - 6 - القاهرة : وهى المنطقة التى فيها الجامع الأزهر , وقد أسسها الفاطميون فى عهد المعز لدين الله الفاطمى عام 969 والذى حدثت فى عصره معجزه نقل جبل المقطم وذلك بعد عشرة أعوام من إنشاء مدينة القاهرة .
ولكنها كانت فى الواقع عبارة عن قصرين عظيمين وملحقاتهما بهما من السكان ثلاثون ألف جندى وكان بين القصرين ميدان فسيح وواسع يسع عشرة ألاف جندى , وعندما إستولى جوهر الصقلى على مصر لم تعجبه عواصم
مصر الثلاث التى إندمجت وأصبحت عاصمة واحده فقرر بناء عاصمة جديده عند سفح الجبل الذى سمى فيما بعد بالمقطم فى أقصى الشمال من الفسطاط عاصمة العرب الأولى وقد أطلق على العاصمة الجديدة فى البداية إسم المنصوربة ثم غيروا إسمها إلى القاهرة وأقام حولها سوراً من الطوب اللبن وجعلوا لها ستة أبواب أربعة منها فى الجهات الأصلية وبابان سريان كان يعرف أمرهما قائد الجيش والخليفة شخصياً وعند إنتهاء بناء السور جاء المعز " راجع مصر من تانى – محمود السعدنى – دار كتاب صدر عن دار أخبار اليوم ص 32 شيدت القاهرة على ضفتي النيل على خط طول 6َ 30ْ، وعرض 26َ 31ْ في الموقع الذي يمتد جبل المقطم فيه حتى يبلغ النهر. أنشأ عمرو بن العاص عام 21هـ / 642 م . الفسطاط حتى يبعد مركز العاصمة وجيوشه عن الأسكندرية بعد أن أحتلها البيزنطسسن . ولقد أسس عمرو بن العاص مدينة القاهرة في المكان الفسيح الذي يقع إلى الشمال من حصن بابليون حيث عسكرت قوات المسلمين للمرة الأولى وأسماها الفسطاط . وقد اختار لها عمرو رأس دلتا النيل وهو موقع له أهميته من الناحية العمرانية والحربية وبذلك تكون الفسطاط في مأمن من هجمات العدو وتكون في نفس الوقت قريبة من الأراضي الزراعية، مما يسهل وصول المؤن والأقوات ويحمي الفسطاط من جهة الشرق حيث يقع جبل المقطم وهو درع واقي ضد العدو وضد فيضان النيل. ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس، أسسوا حاضرة أخرى جديدة لدولتهم الناشئة إلى الشمال الشرقي من الفسطاط، في مكان عرف باسم الحمراء القصوى، وفي ذلك المكان أقام العباسيون دورهم وبنى صالح بن علي دار الإمارة، وثكنات الجند، ثم شيد الفضل بن صالح العسكر في وسط المدينة. وبمرور الأيام، اتصلت العسكر بالفسطاط، وأصبحت مدينة كبيرة. وقد ظل أمراء مصر يقيمون في دار الإمارة في العسكر. ولما قامت الدولة الطولونية المستقلة لا تربطها بالحاكم العباسي ببغداد غير التبعة الدينية.وجد أحمد بن طولون أن الفسطاط ضاقت بساكنيها، فأسس مدينة القطائع عام 256هـ / 870 م وأقام في وسطها مسجدا جامعا سمي باسمه( جامع أبن طولون بناه قبطى) وقد تأثر أحمد بن طولون، عند تأسيسه للعاصمة الجديدة، بتخطيط مدينة سماراء التي نشأ فيها قبل مجيئه إلى مصر. فقد كانت كل منهما مقسمة إلى خطط أو قطائع، تضم كل قطيعة منها، جماعة من السكان، تربط بينهم رابطة الجنس أو العمل، ومن ثم أصبح اسم القطائع علما على مدينة ابن طولون. وقد كان هذا الاسم يطلق في سماراء على كل أحياء المدينة، فيما عدا القصور الملكية. وفى عام 359هـ / 970 م وقيل 6 يوليو عام 969 م غزا الفاطميون الشيعة مصر وأسس جوهر الصقلي قائد جيوش الحاكم الفاطمي المعز لدين الله مدينة القاهرة عام ، وذلك بعد استيلائه على مصر بعام واحد، وبنى حولها سورا من اللبن على شكل مربع، وطول كل ضلع من أضلاعه (1200) ياردة. وكانت مساحة الأرض التي حددها السور تبلغ (340) فدانا. وفي وسط هذه المساحة، بنى جوهر قصرا كبيرا، بلغت مساحته (70) فدانا، وجعل خمسة وثلاثين فدانا للبستان الكافوري، ومثل هذه المساحة للميادين، والباقي وزعت مساحته على الفرق العسكرية. وفى الجهه الغربية من ميدان باب الشعرية أنشأ جوهر الصقلي مسجدا بالقرب من قصر الحاكم ، والمدينة متجهة شرقا إلى باب الفتوح فباب النصر، وينتهي عند جبل المقطم. وكان قصد جوهر الصقلي من إنشائه مدينة القاهرة، في بادئ الأمر لتكون سكنا للحاكم ، وحرمه، وجنده، وخواصه. فنشأت القاهرة مدينة متواضعة للدولة الفاطمية الناشئة، واستمرت حينا بعد قيامها مدينة ملكية عسكرية، تشتمل على قصور الحكام، ومساكن الأمراء، ودواوين الحكومة، وخزائن المال والسلاح، ثم أصبحت بعد إنشائها بأربع سنوات، وراعى فى تخطيط القاهرة وجود شارع رئيسى يشق محور المدينة ( الجنوبى والشمالى ) وسماه المؤرخون قصبة القاهرة وأصبح أسمه فى العصر الحديث شارع المعز لدين الله الفاطمى ويتوسط ميدان بين القصرين وينتهى فى جهة الجنوب بباب زويلة , حيث يبدأ الطريق المؤدى إلى الفسطاط ومدن الوجة القبلى وينتهى فى جهة الشمال بباب الفتوح , حيث تبدأ طريق القوافل المتجه إلى مدن شرق الدلتا مثل السويس ودمياط وكان يوازيه شارع آخر سمى الجزء الكبير منه فى العصور المتأخرة بشارع الجمالية , أما الحارات التى كانت تتبرع منها فقد بقى أبواب هذه الحارات مثل باب حارة برجوان , باب قاضى عسكر على رأس حارة بيت القاضى من ناحية شارع المعز لدين الله , باب حارة الصالحية المقابل للصاغة , أبواب حارة المبيض بشارع الجمالية , باب حوش عطى بشارع الجمالية .
بين القصرين
كانت القاهرة تسمى المدينة وكانت فى الحقيقة عبارة عن قصرين عظيمين ولواحقهما .. يسكنان بهما 30000 نسمة , وكان المكان بين القصرين خلاء ترك ليكون ميداناً لأستعراض العسكر وكان يسع إستعراض 10000 جندى وكانت ثروة المعز الذى احضرها معه فوق ما يتصور إنسان ويكفى القول أن إحدى بناته ماتت وتركت ورائها ما يعادل 2 مليون دينار من الذهب وأبنه أخرى تركت عندما ماتت خمسة أكياس من الزمرد ومقادير وافرة من الأحجار الكريمة علاوة على ثلاثة الآف إناء من الفضة المطعمة بالأحجار الكريمة .
وقد جعل الفاطمين للأزهر هدفاً مزدوجاً : - الأول : كونه جامعاً يؤدى فيه المسلمون الصلاة .. الثانى : كان أول من جعل لطلاب العلم فيه إعانات مالية وعينية تشجيعاً لهم على الدرس والإجتهاد (8)
وكان حكم الفاطميين الدينى مبنى على أساس المذهب الدينى الشيعى ولما كان غالبية أهل البلاد يدينون بالمذهب السنى فكان على الحكام أن يعرفوا ما يدور فى داخل أذهان العامة ويحاولون بكل الطرق تشكيلها فكانوا يسيرون الناس لجمع المعلومات وشراء ذمم الناس أحيانا بالمال وأحياناً بالعنف ولم يجد المعز لدين الله أيه معارضه حين أبطل العمل بالمذهب السنى فى مصر وتحول الناس جميعاً فى هدوء إلى المذهب الشيعى لأن الحكام كانوا فاطميين يتبعون المذهب الشيعى وتم هدم مسجد عمرو بن العاص أول مسجد أقيم فى افسلام على أرض مصر وحل محله المسجد الأزهر وهو أقيم أصلاً لتدريس علوم المذهب الفاطمى على وجه الخصوص وعندما أحرقت السلطة كل كتب السنة لم يرتفع صوت واحد بالإحتجاج إنصرف الناس إلى أعمالهم كالعادة وإهتموا بشئونهم كما كانت الحال من قبل , شاعر واحد رفع صوته بالإحتجاج فضربت عنقه أمام الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة ثم هدأ الجو تماماً وصفت الأحوال وإنتهى كل شئ فلم تعد هناك معارضة ونزع مشايخ الإسلام زيهم الأسود شعار الغساسنة العباسيين وإرتدوا الزى الأخضر شعار الشيعيين والفاطميين (9)
وفي عام 363هـ / 974 م، أصبحت عاصمة للدولة الفاطمية، وانتقل المعز وأسرته من المغرب، واتخذ مصر موطنا له. ولم يكن لقاطني مصر أن يدخلوا (المدينة الملكية) إلا بعد أن يؤذن لهم
وكان مفوضو الدولة الأجنبية الذين يحضرون الحفلات الرسمية يترجلون عن جيادهم، ويسيرون نحو القصر بين صفين من الجنود على النحو المتبع في البلاط البيزنطي. وسرعان ما اتسعت المدينة الناشئة ونمت نموا ملحوظا وتبوأت مكانتها المرموقة في ظل الحكام الفاطميين واتصلت مبانيها بمباني الفسطاط، وصارتا تؤلفان معا أكبر المدن الإسلامية في العصور الوسطى. وكان النيل آنذاك يحدها غربا، وكان مجراه حتى عام 688هـ / 1289 م يمر من فم الخليج إلى شارع نوبار إلى أن يلتقي بشارع الشيخ ريحان (حاليا)، ثم ينعطف شرقا (شارع عماد الدين) حيث تنتهي حدود القاهرة عند قرية أم دنين، وكانت تقع عند موقع جامع أولاد عنان. وفي ميدان (رمسيس) كان ثغر النيل محاطا بالمصانع والترسنات وبنى صلاح الدين الأيوبي أساطيل التي حارب بها الصليبيين. وكان النهر فى هذا الوقت يمر ب بمحطة السكة الحديد الحالية ثم بالشرابية ومنية السيرج إلى مبدأ ترعة الإسماعيلية.
أما شبرا فقد نشأت على شكل جزيرة تراكم طمى النيل فى الفيضان حول مركب غرقت في الثغر في عهد الدولة الفاطمية، وكان يطلق عليها الفيل، فسميت جزيرة الفيل ، وزرعت فيها البساتين، وتردد عليها الأمراء والمماليك للتنزه في روضتها ولممارسة الرماية وغيرها من أنواع الرياضة.
أما حى بولاق فقد نشأ في عهد الفاطميين ثم امتد فيما بعد حتى بركة الفيل. كما ظهرت أرض اللوق في عهد الفاطميين والأيوبيين ايضاً نتيجة لطرح البحر، واسمها معناه الأرض اللينة. وفى عهد الملك الصالح نجم الدين الأيوبي كان هناك ساحل على الخليج استعمله السقاءون، وكان يسمى باب الخرق الذي حرف إلى باب الخلق. والخرق هي الأرض التي تخترقها الرياح.
وكان الموسكي في ذلك العهد قنطرة على الخليج أنشأها الأمير عز الدين موسك في عام 584هـ / 1189 م. في عهد السلطان صلاح الدين.
أما حي السيدة زينب حول جسر شيده الظاهر بيبرس على الخليج وعرف بقناطر السباع، نسبة إلى رنك بيبرس الذي كان يمثل سبعا.
وحي الحسينية فقد أنشأه جماعة من الأشراف قدموا من الحجاز وبنوا المدابغ وصنعوا الأديم المسمى الطائفي نسبة إلى الطائف بالحجاز. وبنى صلاح الدين قلعة الجبل وسور القاهرة الممتد إلى أثر النبي. وأنشأ البيمارستان الناصري أو الصلاحي
وأنشأ الملك الظاهر بيبرس الجامع الكبير خارج الحسينية وكان فيه مساحة يلعب فيها المماليك لعبة القبق، وجدد جامع الأزهر وأعاد فيه الخطبة وأنشأ قرية على فم وادي العباسية وسماها الظاهرية. باب زويلة بالقاهرة باب زويلة بالقاهرة وقد أخذ أسمه من البربر
سور جوهر الصقلي الذي أنشأه مع إنشاء المدينة، ولكن تهدم هذا السور بعد إنشائه بثمانين عاما، ولم يكن للقاهرة سور في أول عهد المستنصر. لذا كان أول عمل قام به بدر الجمالي، وزير الحاكم المستنصر، من أعمال جليلة، هو تحصين القاهرة ضد الغزوات الخارجية، وضد ثورات الجند الداخلية، فأحاطها بسور عام 480هـ / 1088 م. وحدود سور بدر الجمالي اعتمادا على البقايا التي لا تزال تحتل مكانها الأصلي، هي الأبواب الثلاثة: باب النصر، وباب الفتوح في الشمال، وباب زويلة في الجنوب. وهي تعد من أروع الأمثلة للاستحكامات الحربية في العصور الوسطى. ويعتبر باب الفتوح خير مثال على ذلك حيث يتكون من برجين مستديرين مصممين إلى ثلثيهما. أما الثلث العلوي، فيحتوي على غرف للجند، وفتحات لرمي السهام. ويتوسط البرجين مدخل معقود، تعلوه فتحة تصب منها الزيت المغلى على العدو المقتحم.
قلعة محمد علي بالقاهرة
بدأ صلاح الدين في بنائه قلعة الجبل عام 572هـ / 1176 م، ليتخذها مكانا يلتجأ إليه. وكانت قلعة الجبل تتزود بمياه النيل عن طريق قناطروكان أول من أنشأها الناصر محمد بن قلاوون الذي قام في عام 712هـ / 1312 م ببناء أربع سواق على النيل ب قلعة محمد علي بالقاهرة غرض رفع المياه إلى مستوى القناطر التي تمد القلعة بالمياه، وفي عام 741هـ / 1341 م أدمج فيها بقايا سور صلاح الدين الذي صمم ليضم "خرائب" الفسطاط، وقد تم ترميم وتمديد هذه القناطر مرات متكررة في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي، وعلى الأخص في فترة سلطنة قايتباي وقانصوه الغوري، والتي ترجع إليها على الأرجح خزان توزيع المياه المعروف بـ(السبع سواقي) الموجود على النيل. قلعة جزيرة الروضة التي شيدها الملك الصالح نجم الدين أيوب، حديقة قصر محمد علي باشا الكبير بشبرا الخيمة التي أنشئت على النمط التركي على مساحة (50) فدانا، وكانت تضم أندر النباتات في العالم. وكذلك حديقة الفردوس بالجزيرة. وهناك حديقة الأزبكية التي لم تحظ حديقة في مصر كلها بالاهتمام الذي حظيت به، وقد اقتطع جزء كبير منها وأقيم فيه ميدان الأوبرا المعروف بميدان إبراهيم باشا، وظلت حديقة الأزبكية تتباهى بجمالها منذ إعادة تجميلها عام 1295هـ / 1878 م وعلى مسطحات الحديقة الخضراء أقيمت مباني سنترال الأوبرا، ومسرح الأزبكية، ومسرح العرائس، ومبنى نادى السلاح، ومبنى شرطة النجدة. حدائق الأورمان بالجيزة التي أنشئت في عام 1292هـ / 1875 م وكانت تتبع قصر الجيزة وتسلمتها وزارة الزراعة عام 1335هـ / 1917 م ومساحتها الحالية (28) فدانا. وكانت تعرف بحديقة الأمير حسين كمال وتحيط بقصره، ويوجد بها مجموعة نادرة وقيمة من أشجار الفيكس والبامبو ومجموعات من النباتات المائية والصبار، وتضم الحديقة بحيرة صناعية جميلة تربط شاطئيها قنطرة بديعية صنعت من جذوع وسيقان الأشجار. البيمارستانات: انتشرت أيضا بالقاهرة البيمارستانات ، فقد كانت عمليات الاستشفاء من الأمور التي شغلت بال حكام المماليك على فترة حكمهم التاريخية. ويعد بيمارستان قلاوون أحد البيمارستانات القليلة التي ما زالت آثارها قائمة. ويعود السبب في إنشاء هذا البيمارستان إلى نذر من الأمير قلاوون أحد أمراء نور الدين زنكي- وكان قد أصابه مرض وهو في دمشق عام 1276م. فوجد بعض الأدوية في بيمارستان نور الدين وبعد أن شفاه الله نذر أن يقيم مثله في القاهرة، ولما تولى البلاد أوفى بوعده فأقام هذا البيمارستان الذي عرف باسمه. واختار له موقعا قريبا من موقع القصر الغربي الفاطمي، وبدأت عمارته عام 683هـ / 1284 م. وقد جند له العديد من الأطباء وأوقف له الوقف المناسب حتى يضمن استمرار الصرف عل يه بعد وفاته، وقد ظل هذا البيمارستان مستخدما حتى عام 1274هـ / 1856 م حيث اقتصر استخدامه على مرضى العقول. وكان هناك البيمارستان المؤيدي وهو يقع فوق الصوة تجاه طلبخاناة قلعة الجبل حيث مدرسة الأشرف شعبان بن حسين التي هدمها الناصر فرج بن برقوق وبابه هو حيث كان باب المدرسة إلا أنه ضيق عما أنشأه الملك المؤيد شيخ المحمودي حيث بدأ إنشاؤه عام 821هـ / 1418 م، وانتهى من بنائه عام 823هـ /1420 م. وكانت نفقاته من جملة أوقاف الجامع المؤيدي المجاور لباب زويلة، فلما مات المؤيد عام 824هـ / 1421 م تعطل ثم سكنه طائفة من العجم، ثم صار منزلا للرسل الواردين من البلاد إلى السلطان، ثم تحول إلى مسجد بعد ذلك. وكذلك بيمارستان القشاشين، والسقطيين.
مسجد أبن طولون الذى بناه قبطى
ومن المساجد الأثرية الهامة الباقية أيضا مسجد أحمد بن طولون وهو من أكبر مساجد العالم الإسلامي التي شيدت في منتصف القر مسجد ابن طولون بالقاهرة ن الثالث للهجرة / التاسع الميلادي، إذ تبلغ مساحته مع الزيادة، أي الفضاء الذي يحيط به من جميع جهاته عدا جهة القبلة، ستة أفدنة ونصف. وهو مشيد فوق الربوة الصخرية المعروفة بجبل يشكر في الطرف الجنوبي لمدينة القطائع. وهو من الجوامع المعلقة، إذ يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل. ويتوسط الجامع صحن مربع، يحيط به رواقان في كل من جهاته الثلاثة وتتكون الأروقة من دعائم مبنية من الطوب، وفي أركانها أعمدة متصلة، نقشت تيجانها بأشكال مختلفة، وتحمل الدعائم عقودا غطيت بطبقة جصية غنية بزخارفها الجميلة المتنوعة. ويتكون رواق جهة القبلة من خمسة أروقة، وبه خمسة محاريب غير مجوفة، عدا المحراب الرئيسي المجوف، وجميعها من الجص مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، وكتابية، غاية في الدقة والجمال، وترجع إلى عصور متعددة، اثنان منها في الرواق الثاني، مما يلي الصحن الأيمن، وعليه اسم الحاكم المستنصر بالله الفاطمي، والأيسر تقليد للأيمن، وعليه اسم السلطان لاشين، واثنان على جانبي دكة المبلغ، الأيمن ويرجع إلى العصر الطولوني، والأيسر إلى العصر الفاطمي. كما يوجد على يسار المحراب الكبير، محراب السيدة نفيسة، ويرجع إلى القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي. ويوجد بهذا الإيوان جزء كبير من لوحة التأسيس المجوف بالفسيفساء المذهب. وكتب بها الخط الكوفي (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وترجع الفسيفساء والمقرنصات التي تعلو المحراب وطاقته الخشبية إلى القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي. وعلى يسار المحراب الرئيسي، منبر خشبي، مزخرف على شكل أطباق نجمية، مكونة من وحدات مجمعة مطعمة بأجود الأخشاب، ومزخرفة بزخارف غاية في الدقة والروعة والجمال. ومن الآثار الباقية أيضا جامع الحاكم الذي عرف أولا بجامع الخطبة، ويسمى أيضا جامع الأنوار، وأسسه الحاكم العزيز بالله، وأتمه ابنه الحاكم بأمر الله. وهو تحفة فنية نادرة من العصر الفاطمي . وقد طرأت عليه تغيرات عديدة، غير أنه احتفظ بالكثير من تصميمه الأصلي. الحمامات: تتمتع القاهرة بالعديد من الحمامات، ويذكر أن أول من بنى الحمامات في القاهرة العزيز بالله نزار بن معز الدين. ومن أشهر حمامات القاهرة القديمة حمام الملاطيلي وأقيم بشارع مرجوش بالقرب من جامع الغمري، وحمام المقاصيص الذي يقع بأول عطفة المقاصيص، وقد صار هذا الحمام حماما لدار الوزير المأمون بن البطائحي، فلما قتل الحاكم الآمر بأحكام الله وأغلق المكان بتخشيبة لمنع الراكب من المرور تجاه المشهد وعرف بحمام بخشيبة، وكذلك حمام قلاوون الذي يقع في شارع النحاسين، ويعرف أيضا بحمام المارستان المنصوري، وكان حمام القصر الصغير الغربي الذي كان يعرف بحمام الصنية، ولما زالت دولة الفاطميين آلت ملكيته إلى القاضى مؤيد الدين أبوالمنصور وكيل بيت المال أيام الملك عثمان بن صلاح الدين، ثم آلت ملكيته إلى الأمير عز الدين أيبك العزيزي، وهكذا حتى آلت ملكيته إلى الملك المنصور قلاوون. وهناك حمامات كثيرة يصعب حصرها منها حمام المؤيد، حمام الناصرية، حمام العتبة الخضراء، حمام العطارين، حمام الغورية، حمام الدرب الأحمر إلخ.
الأسواق:
ضمت القاهرة منذ إنشائها العديد من الأسواق، إلا أن أغلبها شيد في نهاية العهد المملوكي، وكانت هذه الأسواق تثير إعجاب التجار الأجانب بسبب أنشطتها وثرائها، ومن أشهر هذه الأسواق سوق خان الخليلي وهو على هيئة قصر مهيب متسع للغاية مبني من الحجر المشذب ، ويرتفع ثلاثة طوابق، توجد في الأدوار السفلى حوانيت جميلة تحيط بميدان رائع مربع الشكل يقع في الوسط، وفي مواجهتها يوجد صف من العقود المتكررة المرفوعة على أعمدة رائعة الجمال والمحيطة بها من جميع الجهات، وفي هذا المكان يعقد التجار صفقاتهم، أما الميدان الذي في الوسط فإنه يستخدم كإطار لبيع البضائع بالمزاد، ولعقد صفقات البيع والشراء بالجملة، وليس مسموحا بالإقامة في هذا المكان إلا للتجار ذوي السمعة الطيبة. وفي أعلى هذا المبنى يقيم علية التجار، وفي الأماكن المجاورة توجد الشوارع التي تباع فيها أفضل أنواع الروائح العطرة والسجاد. ومن الأسواق الشهيرة الأخرى سوق الفحامين وهو مقر لتجار الفحم البسطاء منذ أمد بعيد، ومع ذلك ظل محتفظا بهذا الاسم بالرغم من تحويله لمقر لتجار المنسوجات الموسرين. وهناك سوق باب الفتوح وهو في داخل باب الفتوح وبه حوانيت اللحامين، والخضريين، والفاميين. وكذلك سوق الشماعين ويقع بالقرب من الجامع الأقمر، وحوانيته عامرة بالشموع الموكبية والفانوسية. ولقد كان بسبب مساحات القاهرة الشاسعة للغاية أن وجدت مراكز اقتصادية أخرى بالقرب من الأبواب وعلى طول الشوارع الكبيرة: حول باب الشعرية مثلا (8 أسواق، 14 وكالة)، وباب زويلة (5 أسواق، 16 وكالة) وغيرها كثير.
المكانة العلمية
عرفت القاهرة منذ تأسيسها بمكانتها العلمية المتميزة، فموقعها كحلقة وصل بين المشرق الإسلامي والمغرب الإسلامي جعل منها مركزا هاما.
المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 114 من 167 ) : " الأسواق قال ابن سيدة: والسوق التي يتعامل فيها تذكر وتؤنث والجمع أسواق وفي التنزيل: " إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " والسوقة لغة فيها والسوقة من الناس من لم يكن ذا سلطان الذكر والأنثى في ذلك سواء. وقد كان بمدينة مصر والقاهرة وظواهرها من الأسواق شيء كثير جدًّا قد باد أكثرها وكفاك دليلًا على كثرة عددها أن الذي خرب من الأسواق فيما بين أراضي اللوق إلى باب البحر بالمقص اثنان وخمسون سوقًا أدركناها عامرة فيها ما يبلغ حوانيته نحو الستين حانوتًا وهذه الخطة من جملة ظاهر القاهرة الغربيّ فكيف ببقية الجهات الثلاث مع القاهرة ومصر وسأذكر من أخبار الأسواق ما أجد سبيلًا إلى ذكره إن شاء الله تعالى. القصبة قال ابن سيدة: قصبة البلد مدينته وقيل معظمه. والقصبة هي أعظم أسواق مصر وسمعت غير واحد ممن أدركته من المعمرين يقول: أنّ القصبة تحتوي على اثني عشر ألف حانوت كأنهم يعنون ما بين أوّل الحسينية مما يلي الرمل إلى المشهد النفيسيّ ومن اعتبر هذه المسافة اعتبارًا جيدًا لا يكاد أن ينكر هذا الخبر. وقد أدركت هذه المسافة بأسرها عامرة الحوانيت غاصة بأنواع المآكل والمشارب والأمتعة تُبهج رؤيتها ويُعجب الناظر هيئتها ويُعجز العادّ عن إحصاء ما فيها من الأنواع فضلًا عن إحصاء ما فيها من الأشخاص وسمعت الكافة ممن أدركت يفاخرون بمصر سائر البلاد ويقولون: يُرمى بمصر في كل يوم ألف دينار ذهبًا على الكيمان والمزابل يعنون بذلك ما يستعمله اللبانون والجبانون والطباخون من الشقاف الحمر التي يوضع فيها اللبن والتي يوضع فيها الجبن والتي تأكل فيها الفقراء الطغام بحوانيت الطباخين وما يستعمله بياعوا الجبن من الخيط والحصر التي تعمل تحت الجبن في الشقاف وما يستعمله العطارون من القراطيس والورق الفويّ والخيوط التي تشدّ بها القراطيس الموضوع فيها حوائج الطعام من الحبوب والآفاوية وغيرها فإن هذه الأصناف المذكورة إذا حملت من الأسواق وأخذا ما فيها ألقيت إلى المزابل ومن أدرك الناس قبل هذه المحن وأمعن النظر فيما كانوا عليه من أنواع الحضارة والترف
سوق خان الخليلى
المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثالث ( 114 من 167 ) : " خان الخليلي هذا الخان بخط الزراكشة العتيق كان موضعه تربة القصر التي فيها قبور الخلفاء الفاطميين المعروفة بتربة الزعفران.
أسواق خان الخليلي بالقاهرة
ركس الخليليّ أميراخور الملك الظاهر برقوق وأخرج منها عظام الأموات في المزابل على الحمير وألقاها بكميان البرقية هوانًا بها فإنه كان يلوذ به شمس الدين محمد بن أحمد القليجي الذي تقدّم ذكره في ذكر الدور من هذا الكتاب وقال له: إن هذه عظام الفاطميين وكانوا كفارًا رفضة فاتفق للخليليّ في موته أمر فيه عبرة لأولي الألباب وهو أنه لما ورد الخبر بخروج الأمير بلبغا الناصريّ نائب حلب ومجيء الأمير منطاش نائب ملطية إليه ومسيرهما بالعساكر إلى دمشق أخرج الملك الظاهر برقوق خمسمائة من المماليك وتقدّم لعدّة من الأمراء بالمسير بهم فخرج الأمير أحمد بن بلبغا الخاصكيّ والأمير ندكار الحاجب وساروا إلى دمشق فلقيهم الناصري ظاهر دمشق فانكسر عسكر السلطان لمخامرة ابن بلبغا وندكار وفرّ أيتمش إلى قلعة دمشق وقتل الخليليّ في يوم الاثنين حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وترك على الأرض عاريًا وسوءته مكشوفة وقد انتفخ وكان طويلًا عريضًا إلى أن تمزق وبلي عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وابنائهم ولقد كان عفا الله عنه عارفًا خبيرًا بأمر دنياه كثير الصدقة ووقف هذا الخان وغيره على عمل خبز يفرق بمكة على كل فقير منه في اليوم رغيفان فعمل ذلك مدّة سنين ثم لما عظمت الأسعار بمصر وتغيرت نقودها من سنة ست وثمانمائة صار يحمل إلى مكة مال ويفرّق بها على الفقراء"
المدارس:
تميزت القاهرة أيضا بوجود العديد من المدارس. ففي عهد الدولة الفاطمية أنشأ الوزير الكردي ابن السلار الذي كان يعمل في خدمة الدولة مدرسة ابن السلار. وقد أنشئت هذه المدرسة عام 546هـ / 1152 م وكان يقوم على إدارتها إمام عظيم من أئمة المسلمين وعالم كبير من علماء الحديث، هو الحافظ السِلفي. وفي عام 566هـ / 1171 م أنشأ صلاح الدين مدرستين قامت إحداهما على آثار دار تسمى (دار المعونة) كان يحبس فيها من يراد حبسه، فهدمها صلاح الدين وبناها مدرسة للشافعية. وقد عرفت هذه المدرسة باسم المدرسة الناصرية نسبة إلى الملك الناصر صلاح الدين. أما المدرسة الثانية، فقد كانت للمالكية، وسميت باسم المدرسة القمحية نسبة إلى القمح الذي كانت تحصل عليه من ضيعة تزرعه بجهة الفيوم وقفها صلاح الدين على هذه المدرسة التي عرفت كذلك بدار الغزل. وبعد سقوط الحكم الفاطمي زاد صلاح الدين على المدرستين السابقتين ثلاث مدارس أخر، مدرسة للفقهاء الحنفية وهي المدرسة السيوفية، ومدرسة بجوار الإمام الشافعي، وأخرى بجوار المشهد الحسيني. وقد تابع سلاطين الدولة الأيوبية صلاح الدين في بناء المدارس فكانت هناك المدرسة الكاملية "دار الحديث"، وهي المدرسة التي أنشأها السلطان الملك الكامل محمد الأيوبي. وقد فرغ من إنشائها عام 622هـ / 1225 م، وتعتبر الدار الثانية في الترتيب بين الدور التي تخصصت في الشرق الإسلامي لدراسة الحديث، أما الدار الأولى فهي التي بناها نور الدين زنكي بدمشق. وهناك المدرسة الصالحية التي بناها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 639هـ / 1242 م، وكانت أشبه شيء بجامعة كبرى ذات كليات أربع تختص كل واحدة منها بمذهب من المذاهب الأربعة المعروفة. وكانت هناك المدرسة الفاضلية نسبة إلى القاضي الفاضل، بناها عام 580هـ / 1185 م، ولهذه المدرسة شهرة في التاريخ، ومرجع ذلك إلى المكتبة العظيمة التي ألحقها القاضي الفاضل بها وجمع فيها من كتب العصر الفاطمي وحده مائة ألف مجلد. وكذلك مدرسة الظاهر بيبرس التي أسسها عام 660هـ / 1262 م وزو دها بمكتبة هائلة، وجعلها تعني بسائر العلوم، ووقف عليها أوقافا عظيمة. وقد أسس الظاهر مدرسته هذه على نمط المدارس الأيوبية ولم يكتف بها، بل بنى بجوارها مكتبا لتعليم القراءة والكتابة ليتامى أبناء المسلمين.
مسجد السلطان حسن بالقاهرة
مدرسة السلطان حسن التي أنشأها السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون ابتداء من عام 757هـ/ 1356م، ومسجد السلطان حسن بالقاهرة إستمر العمل فيها نحو ثلاث سنوات. وقد أنفق عليها من الأموال الشيء الكثير فجاءت ضخمة البناء بديعة المظهر. وهي في الواقع عبارة عن مسجد عظيم أنشئت فيه ثلاث مآذن، وأراد السلطان بإنشاء رابعة، لولا أن تهدمت واحدة من الثلاث، فعدل عن إعادتها مكتفيا بالاثنتين. ويضم المسجد في قاعته أربع مدارس معا. وبجوارها مكتب لأبناء السبيل والأيتام، كان يضم أكثر من ثلاثمائة طفل، وكانت تدرس بها المذاهب الأربعة.
المكتبات:
لعل أهم المراكز العلمية شهرة بالقاهرة كانت دار الحكمة التي أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي بإنشائها عام 395هـ/ 1005م، حيث أراد لها أن تكون أفضل من بيت الحكمة الذي ببغداد. وقد زود الحاكم هذه الدار بمكتبة عرفت باسم دار العلم. وحملت إليها الكتب من خزائن القصور ومن مصادر متعددة، فكانت فيها كتب نفيسة ومخطوطات نادرة في الدين والآداب والعلوم بفروعها المتعددة، كما أمدها الحاكم بأمر الله بكل مستلزمات النساخين من أقلام ومحابر وورق. وأقيم لها قوام وخدام وفراشون وغيرهم رسموا بخدمتها. وكانت دار الحكمة تزخر دائما بالفقهاء والقراء والنحاة، والفلكيين والأطباء. وظلت دار العلم مفتوحة ينتفع الجمهور بما فيها من الكتب إلى عام 516هـ/ 1123م حيث أمر الوزير الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالي بإغلاقها بسبب ما وصل إليه من أن رجلين يعتنقان عقائد الطائفة المعروفة بالبديعية التي يدين أشياعها بمذاهب السنة الثلاثة وهي الشافعي والحنفي والمالكي يترددان على دار العلم، وأن كثيرين من الناس أصغوا إليهما واعتنقوا هذا المذهب. على أن فترة إغلاق دار العلم لم يطل أمدها، فقد أعادها الحاكم الآمر بالله إلى ما كانت بعد وفاة الأفضل.
العلماء:
لقد اشتهر من القاهرة علماء أجلاء في مختلف العلوم، ففي العلوم الشرعية اشتهر الإمام الشافعي صاحب أحد أكبر المذاهب الفقهية عند أهل السنة، والليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي الفقيه إمام أهل مصر في عصره، وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم مؤرخ من أهل العلم بالحديث. ومن علماء اللغة اشتهر جلال الدين السيوطي وكان من علماء اللغة والشريعة ألف في الفقه والتفسير وعلوم القرآن والحديث، ومحمد بن جلال الدين مكرم بن نجيب الدين المعروف بابن منظور صاحب معجم لسان العرب، وأبو الفضل محمد بن عبد الرازق الزبيدي صاحب معجم تاج العروس، ومن المؤرخين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، وأبو محمد عبد الله بن يوسف الأنصاري الشهير بابن هشام. كما اشتهر من الأطباء داود الأنطاكي وهو صيدلاني وطبيب ولد في أنطاكية واستقر في القاهرة، وموفق الدين أبو نصر عدنان بن نصر بن منصور الشهير بابن العين الزربي الطبيب وعالم النجوم والرياضيات والمنطق سافر إلى بغداد ثم هاجر إلى القاهرة فاستقر فيها. وأبو المنصور عبد الله بن الشيخ السديد وكان عالما بصناعة الطب خبيرا بأصولها وفروعها. واشتهر بها من الرياضيين أبو علي الحسن بن الهيثم عالم الفيزياء والبصريات والرياضيات وكان مولده البصرة ثم هاجر إلى القاهرة وعاش بها. ومن الفلكيين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن يونس . ومن الكيمائيين علي بن محمد أيدمر الجلدكي وكان قد تنقل بين مصر ودمشق وألف بعض كتبه في القاهرة والبعض الآخر في دمشق.
كيف إستمال المعز قلب المصريين
وبذل المعز غاية جهده فى راحة المصريين فإستطاع أن يكتسب محبتهم وطاعتهم وإحترامهم له فكان عادلاً فأدار حكمه بتبصر فى جميع دقائق الأمور فكان يراس بنفسه حفله قطع الخليج ( إطلاق مياة الفيضان فى الخليج ) ويفرح مع الشعب , وزاد من محبه المسلمين له أنه دأب على إرسال كسوة فاخرة للكعبة سنوياً فى إحتفال كبير ومنع جنده البقاء فى المدينة بعد الغروب حتى لا يحتكون بأبناء الشعب المصرى فيحدث هياج وقلاقل , وألغى نظام جباية الجزية والخراج بواسطة الملتزمين فقد كانوا يجنون أرباح باهظة من وراء جمعها وبذلك زاد الخراج بدون أن يضر بمصلحة البلاد والمزارعين . وشهد عصر المعز عدلاً فى توزيع مناصب الدوله فتقلد فى عهده الأقباط كثير من المناصب الحكومية العليا . وبهذا الأسلوب دانت مصر للفاطمين جميعاً من مسلمين ومسيحيين إلا أن تقاليد الشيعة لم ترق يوماً فى عينى السواد الأعظم من مسلمى مصر لعقيدتهم السنية ولكن محمود السعدنى له رأى آخر (24) فقال : " تحول الناس فى هدوء إلى المذهب الفاطمى – وتم هدم مسجد عمر بن العاص أول مسجد أقيم فى الإسلام على أرض مصر وحل محله المسجد الأزهر وهو أقيم فى الأصل كجامعة لتدريس علوم المذهب الفاطمى على وجه الخصوص وأحرقت السلطه كل كتب السنة ... شاعر واحد رفع صوته بالإحتجاج لم يهتم التاريخ بذكر إسمه أسرعت السلطة فضربت عنقه أمام الجامع الأزهر بعد صلاة الجمعة ... ونزع مشايخ الإسلام زيهم القديم الأسود شعار العباسيين وإرتدوا الزى الأخضر شعار دولة الفاطميين " 0 (25) إلا أن جاك تاجر له رأى آخر فقال : وكان المعز يدرك تماماً أنه لن يستطيع حكم البلاد وهو أمام تيار من العداء العام , ولما كان الشيعيون غير محبوبين فى مصر والشام فقد حاول أن يتقرب من السنيين وذلك بإظهار شئ من النفور إلى الذميين فألغى التقليد الذى بدأه الإخشيدين من حضور الحفلات الخاصة بالنصارى ومنع الأقباط فى عيد النيروز من جمع الحسنات من العظماء ومن رش الماره بالمياه العكر أو إشعال الصواريخ فى هذه المناسية كما حرم عليهم نصب الخيام والتنزه بالزوارق فى الليل بالقرب من المقياس فى ليلة الغطاس وهدد بالإعدام شنقاً كل من يخالف أوامره – فكف النصارى عن الإحتفال يهذه الأعياد طيله عهده (26) ويقدم الأستاذ د/ جمال الدين سرور فى كتابه الدولة الفاطمية فى مصر (27) يقدم رأياً مخالفاً عما سبق فقال: " أن بعض خلفاء الفاطميين بعد أن جاءوا الى مصر بمذهب شيعى خالفوا به جمهور المسلمين , وجدوا أنهم بحاجه إلى من يعاونهم تثبيت سلطتهم . ولما أيقنوا أنه من المتعذر عليهم الإعتماد على السنيين فى مصر – وهم أصحاب الدعوة العباسية – قربوا إليهم أهل الذمة وأظهروا كثيراً من التسامح . وإستخدموهم فى أهم شئون الدولة . على أن هذه السياسة لم يتمسك بها الفاطميون . فكثيراً إضطروا إلى العدول عنها" إلا أن رأى د/ سرور لا يستند على برهان واحد تاريخي لأن التاريخ يذكر أن الأقباط كانوا دائما هم العاملين الشرفاء والأمناء فى خدمة الدولة فتزدهر الدولة وتتقدم بهم وعندما يقصونهم الخلفاء من مناصبهم فى عصور الإضطهاد تتدهور الدولة وتتأخر إلا أن راى الدكتور سرور قاله للدفاع عن تحول المسلمين السنيين إلى الشيعة وهم تحت الحكم الفاطمى
************************************* ذكر المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 61 من 167 ) : " ثم من بعد صالح بن علي سكن أمراء مصر العسكر وأول من سكنه أبو العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر اعلم: أن موضع العسكر قد كان يعرف في صدر الإسلام بالحمراء القصوى وقد تقدم أن الحمراء القصوى كانت خطة بني الأزرق وبني روبيل وبني يشكر بن جزيلة ثم دثرت هذه الخطط بعد العمارة بتلك القبائل حتى صارت صحراء فلما قدم مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إلى مصر منهزمًا من بني العباس نزلت عساكر صالح بن علي وأبي عون عبد الملك بن يزيد في هذه الصحراء حيث جبل يشكر حتى ملؤوا الفضاء وأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيه فبنوا وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
يذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 62 من 167 ) : " فلما خرج صالح بن علي من مصر خرب أكثر ما بنى فيه إلى زمن موسى بن عيسى الهاشمي فابتنى فيه دارًا أنزل فيها حشمة وعبيده وعمر الناس ثم ولي: السري بن الحكم فأذن للناس في البناء فابتنوا فيه وصار مملوكًا بأيديهم واتصل بناؤه ببناء الفسطاط وبنيت فيه دار الإمارة وسجد جامع عرف بجامع العسكر ثم عرف بجامع ساحل الغلة وعملت الشرطة أيضًا في العسكر وقيل لها: الشرطة العليا وإلى جانبها بنى أحمد بن طولون جامعه الموجود الآن وسمي من حينئذ ذلك الفضاء بالعسكر وصار أمراء مصر إذا ولوا ينزلون به من بعد أبي عون فقال الناس من يومئذ: كنا بالعسكر وخرجنا إلى العسكر وكتب من العسكر وصار مدينة ذات محال وأسواق ودور عظيمة وفيه بنى أحمد بن طولون مارستانه فأنفق عليه وعلى مستغله ستين ألف دينار وكان بالقرب من بركة قارون التي صارت كيمانًا وبعضها بركة على يسرة من سار من حدرة ابن قميحة يريد قنطرة السد وعلى بركة قارون هذه كانت جنان بني مسكين وبني كافور الإخشيدي دارًا أنفق عليها مائة ألف دينار وسكنها في رجب سنة ست وأربعين وثلثمائة وانتقل منها بعد أيام لوباء وقع في غلمانه من بخار البركة وعظمت العمارة في العسكر جدًا إلى أن قدم أحمد بن طولون من العراق إلى مصر فنزل بدار الإمارة من العسكر وكان لها باب إلى جامع العسكر ينزلها الأمراء منذ بناها صالح بن علي بعد قتله مروان وما زال بها أحمد بن طولون إلى أن بنى القصر والميدان بالقطائع فتحول من العسكر وسكن قصره بالقطائع.
عدل سابقا من قبل سعد عنتر سعد في الثلاثاء 18 يناير 2011 - 22:01 عدل 1 مرات | |
|
سعد عنتر سعد مراقب
الجنس : عدد المساهمات : 2517 نقاط : 6975 العمر : 33
| موضوع: رد: صفحات من تاريخ القاهرة الثلاثاء 18 يناير 2011 - 21:56 | |
|
أبن طولون يحرث قبور اليهود والنصارى ليبنى مدينة القطائع
يذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 63 من 167 ) : " وقدم من العراق: ماجور التركي لمحاربة ابن شيخ فقيه أصحاب ابن شيخ وعليهم ابنه فانهزموا منه وقتل الابن واستولى ماجور على دمشق ولحق ابن شيخ بنواحي أرمينية وتقلد ماجور أعمال الشام كله وصار أحمد بن طولون من كثرة العبيد والرجال والآلات بحال يضيق به داره ولا يتسع له فركب إلى سفح الجبل في شعبان وأمر بحرث قبور اليهود والنصارة واختط موضعها فبنى القصر والميدان وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء لعمارة الفسطاط ثم قطعت القطائع وسميت كل قطيعة باسم من سكنها فكانت للنوبة قطيعة مفردة تعرف بهم وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم وللفراشين قطيعة مفردة تعرف بهم ولكل صنف من الغلمان قطيعة مفردة تعرف بهم. وبنى القواد مواضع متفرقة فعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرقت فيها السكك والأزقة وبنيت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات والأفران وسميت أسواقها وفقيل: سوق العيارين وكان يجمع العطارين والبزازين وسوق الفاميين ويجمع الجزارين والبقالين والشوايين فكان في دكاكين الفاميين جميع ما في دكاكين نظرائهم في المدينة وسوق الطباخين يجمع الصيارف والخبازين والحلوانيين ولكل من الباعة سوق حسن عامر فصارت القطائع مدينة كبيرة أعمر وأحسن من الشام وبنى ابن طولون قصره ووسعه وحسنه وجعل له ميدانًا كبيرًا يضرب فيه بالصوالجة فسمي القصر كله الميدان وكان كل من أراد الخروج من صغير وكبير إذا سئل عن ذهابه يقول: إلى الميدان وعمل للميدان أبوابًا لكل باب اسم وهي باب الميدان ومنه كان يدخل ويخرج معظم الجيش وباب الصوالجة وباب الخاصة ولا يدخل منه إلا خاصة ابن طولون وباب الجبل لأنه مما يلي جبل المقطم وباب الحرم ولا يدخل منه إلا خادم خصي أو حرمة وباب الدرمون لأنه كان يجلس عنه حاجب أسود عظيم الخلقة يتقلد جنايات الغلمان السودان الرجالة فقط يقال له: الدرمون وباب دعناج لأنه كان يجلس عنده حاجب يقال له: دعناج وباب الساج لأنه عمل من خشب الساج وباب الصلاة لأنه كان في الشارع الأعظم ومنه يتوصل إلى جامع ابن طولون وعرف هذا الباب أيضًا بباب السباع لأنه كان عليه صورة سبعين من جبس وكان الطريق الذي يخرج منه ابن طولون وهو الذي يعرج منه إلى القصر طريقًا واسعًا فقطعه بحائط وعمل فيه ثلاثة أبواب كأكبر ما يكون من الأبواب وكانت متصلة بعضها ببعض واحدًا بجانب الآخر. فلما ولي أبو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون بعد أبيه جعل دار الإمارة ديوان الخراج ثم فرقت حجرًا بعد دخول حمد بن سليمان الكاتب إلى مصر وزال دولة بني طولون فسكن محمد بن سليمان بدار الإمارة في العسكر عند المصلى القديم وكان المصلى القديم حيث الكوم المطل الآن على قبر القاضي بكار ومازالت الأمراء تنزل بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر من المغرب وبنى القاهرة المعزية ولما بنى أحمد بن طولون القطائع اتصلت مبانيها بالعسكر وبنى جامعه على جبل يشكر فعمرها هنالك عمارة عظيمة تخرج عن الحد في الكثرة وقدم جوهر القائد بعساكر مولاه المعز لدين الله في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة والعسكر عامر إلا أنه منذ بنيت القطائع هجر اسم العسكر وصار يقال: مدينة الفسطاط والقطائع وربما قيل: والعسكر أحيانًا فلما خرب محمد بن سليمان قصر ابن طولون وميدانه بقي في القطائع مساكن جليلة حيث كان العسكر وأنزل المعز لدين الله عمه أبا علي في دار الإمارة فلم يزل أهله بها إلى أن خربت القطائع في الشدة العظمى التي كانت في خلافة المستنصر إعوام بضع وخمسين وأربعمائة فيقال: إنه كان هناك زيادة على مائة ألف دار سوى البساتين وما هذا ببعيد فإن ذلك كان ما بين سفح الشرف الذي عليه الآن قلعة الجبل وبين ساحل مصر القديم حيث الآن الكبارة خارج مصر وما على سمتها إلى كوم الجارح ومن كوم الجارح إلى جامع ابن طولون وخط قناطر السباع وخط السبع سقايات إلى قنطرة السد ومراغة مصر إلى المعاريج بمصر وإلى كوم الجارح ففي هذه المواضع كان العسكر والقطائع ويخص العسكر من بين ذلك ما بين قناطر السباع وحدرة ابن قميحة إلى كوم الجارح حيث الفضاء الذي يتوسط ما بين قنطرة السد وبين سور القرافة الذي يعرف بباب المجدم فهذا هو العسكر ولما استولى الخراب في المحنة أمر ببناء حائط يستر الخراب عن نظر الخليفة إذا سار من القاهرة إلى مصر فيما بين العسكر والقطائع وبين الطريق وأمر ببناء حائط آخر عند جامع ابن طولون.
فلما كان في خلافة الآمر بأحكام الله أبي علي منصور بن المستعلي أمر وزيره أبو عبد الله محمد بن فاتك المنعوت بالأجل المأمون بن البطائحي فنودي مدة ثلاثة أيام في القاهرة ومصر بأن من كان له دار في الخراب أو مكان فليعمره ومن عجز عن عمارته يبيعه أو يؤجره من غير نقل شيء من أنقاضه ومن تأخر بعد ذلك فلا حق له ولا حكر يلزمه وأباح تعمير جميع ذلك بغير طلب حق وكان سبب هذا النداء أنه لما قدم أمير الجيوش بدر الجمالي في آخر الشدة العظمى وقام بعمارة إقليم مصر أخذ الناس في نقل ما كان بالقطائع والعسكر من أنقاض المساكن حتى أتى على معظم ما هنالك الهدم فصار موحشًا وخرب ما بين القاهرة ومصر من المساكن ولم يبق هنالك إلا بعض البساتين فلما نادى الوزير المأمون عمر الناس ما كان من ذلك مما يلي القاهرة من جهة المشهد النفيسي إلى ظاهر باب زويلة كما يرد خبر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونقلت أنقاض العسكر كما تقدم فصار هذا الفضاء الذي يتوصل إليه من مشهد السيدة نفيسة ومن الجامع الطولوني ومن قنطرة السد ومن باب المجدم في سور القرافة ويسلك في هذا الفضاء إلى كوم الجارح ولم يبق الآن من العسكر ما هو عامر سوى جبل يشكر الذي عليه جامع ابن طولون وما حوله من الكبش وحدرة ابن قميحة إلى خط السبع سقايات وخط قناطر السباع إلى جامع ابن طولون وأما سوق الجامع من قبليه وما وراء ذلك إلى المشهد النفيسي وإلى القبيبات والرميلة تحت القلعة فإنما هو من القطائع كما ستقف عليه عند ذكر هذه الخطط إن شاء الله تعالى وطالما سلكت هذا الفضاء الذي بين جامع ابن طولون وكوم الجارح حيث كان العسكر وتذكرت ما كان هنالك من الدور الجليلة والمنازل العظيمة والمساجد والأسواق والحمامات والبساتين والبركة البديعة والمارستان العجيب وكيف بادت حتى لم يبق لشيء منها أثر البتة فأنشدت أقول: وبادوا فلا مخبر عنهم وماتوا جميعًا وهذا الخبر فمن كان ذا عبرة فليكن فطينًا ففي من مضى معتبر وكان لهم أثر صالح فأين هم ثم أين الأثر وسيأتي لذلك مزيد عند ذكر القطائع وعند ذكر خط قناطر السباع وغيره من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
من حين بني إلى أن بنيت القطائع ذكر من نزل العسكر من أمراء مصر من حين بني إلى أن بنيت القطائع اعلم: أن أمراء مصر ما برحوا ينزلون فسطاط مصر منذ اختط بعد الفتح إلى أن بنى أب عون العسكر فضارت أمراء مصر من عهد أبي عون إنما ينزلون بالعسكر وما برحوا على ذلك إلى أن أنشأ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون القصر والميدان والقطائع فتحول من العسكر إلى القصر وسكن فيه وسكنه الأمراء من أولاده بعده إلى أن زالت دولتهم فسكن الأمراء بعد ذلك العسكر إلى أن زالت دولة الإخشيدية بقدوم جوهر القائد من المغرب. "
***********************
ذكر المقريزى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 62 من 167 ) : القطائع ودولة بني طولون اعلم: أن القطائع قد زالت آثارها ولم يبق لها رسم يعرف وكان موضعها: من قبة الهواء التي صار مكانها قلعة الجبل إلى جامع ابن طولون وهذا أشبه أن يكون طول القطائع وأما عرضها: فإنه من أول الرميلة تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف اليوم بالأرض الصفراء عند مشهد الرأس الذي يقال له الآن: زين العابدين وكانت مساحة القطائع ميلًا في ميل فقبة الهواء كانت في سطح الجرف الذي عليه قلعة الجبل.
وتحت قبة الهواء: قصر ابن طولون وموضع هذا القصر: الميدان السلطاني تحت القلعة والرميلة التي تحت القلعة مكان سوق الخيل والحمير والجمال.
كانت بستانًا ويجاورها الميدان في الموضع الذي يعرف اليوم: بالقبيبات فيصير الميدان فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون وبحذاء الجامع: دار الأمارة في جهته القبلية ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة المحيطة بمصلى الأمير إلى جوار المحراب وهناك أيضًا دار الحرم والقطائع: عدة قطع تسكن فيها عبيد ابن طولون وعساكره وغلمانه وكل قطيعة لطائفة فيقال: قطيعة السودان وقطيعة الروم وقطيعة الفراشين ونحو ذلك فكانت كل قطيعة لسكنى جماعة بمنزلة الحارات التي بالقاهرة وكان ابتداء عمارة هذه القطائع وسببها: أن أمير المؤمنين المعتصم بالله أبا إسحاق محمد بن هارون الرشيد لما اختص بالأتراك ووضع من العرب وأخرجهم من الديوان وأسقط أسماءهم ومنعهم العطاء وجعل الأتراك أنصار دولته وأعلام دعوته كان من عظمت عنده منزلته قلده الأعمال الجليلة الخارجة عن الحضرة فيستخلف على ذلك العمل الذي تقلده من يقوم بأمره ويحمل إليه ماله ويدعى له على منابره كما يعدى للخليفة وكانت مصر عنده بهذه السبيل.
وقصد المعتصم ومن بعده من الخلفاء بذلك العمل مع الأتراك محاكاة ما فعله الرشيد بعبد الملك بن صالح والمأمون بطاهر بن الحسين ففعل المعتصم مثل ذلك بالأتراك فقلد أشناس وقلد الواثق إيتاخ وقلد المتوكل نقا ووصيف وقلد المهتدي ماجور وغير من ذكرنا من أعمال الأقليم ما قد تضمنته كتب التاريخ فتقلد باكباك مصر وطلب من يخلفه عليها وكان أحمد بن طولون قد مات أبوه في سنة أربعين ومائتين ولأحمد عشرون سنة منذ ولد من جارية كانت تدعى قاسم وكان مولده في سنة عشرين ومائتين وولدت أيضًا أخاه موسى وحبسية وسمانة وكان طولون من الطغرغر مما حمله نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون فيما كان موظفًا عليه من المال والرقيق والبراذين وغير ذلك في كل سنة وذلك في سنة مائتين فنشأ أحمد بن طولون نشأ جميلًا غير نشء أولاد العجم فوصف بعلو الهمة وحسن الأدب والذهاب بنفسه عما كان يترامى إليه أهل طبقته وطلب الحديث وأحب الغزو وخرج إلى طرسوس مرات ولقي المحدثين وسمع منهم كتب العلم وصحب الزهاد وأهل الورع فتأدب بآدابهم وظهر فضله فاشتهر عند الأولياء وتميز على الأتراك وصار في عداد من يوثق به ويؤتمن على الأموال والأسرار فزوجه ماجور ابنته وهي أم ابنه العباس وابنته فاطمة.
ثم إنه سأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب له برزقه على الثغر فأجابه وخرج إلى طرسوس فأقام بها وشق على أمه مفارقته فكاتبته بما أقلقه فلما قفل الناس إلى سر من رأى سار معهم إلى لقاء أمه وكان في القافلة نحو خمسمائة رجل والخليفة إذ ذاك: المستعين بالله أحمد بن المعتصم وكان قد أنفذ خادمًا إلى بلاد الروم لعمل أشياء نفيسة فلما عاد بها وهي: وقر بغل إلى طرسوس خرج مع القافلة وكان من رسم الغزاة أن يسيروا متفرقين فطرق الأعراب بعض سوادهم وجاء الصائح: فبدر أحمد بن طولون لقتالهم وتبعوه فوضع السيف في الأعراب ورمى بنفسه فيهم حتى استنفذ منهم جميع ما أخذوه وفروا منه وكان من جملة ما استنفذ من الأعراب البغل المحمل بمتاع الخليفة فعظم أحمد بما فعل عند الخادم وكبر في أعين القافلة فلما وصلوا إلى العراق وشاهد المستعين ما أحضره الحادم أعجب به وعرفه الخادم خروج الأعراب وأخذهم البغل بما عليه وما كان من صنع أحمد بن طولون فأمر له بألف دينار وسلم عليه مع الخادم وأمره أن يعرفه به إذا دخل مع المسلمين ففعل ذلك وتوالت عليه صلاة الخليفة حتى حسنت حاله ووهبه جارية اسمها: مياس استولدها ابنه خمارويه في النصف من المحرم سنة خمسين ومائتين فلما خلع المستعين وبويع المعتز أخرج المستعين إلى واسط واختار الأتراك أحمد بن طولون أن يكون معه فسلم إليه ومضى به فأحسن عشرته وأطلق له التنزه والصيد وخشي أن يلحقه منه احتشام فألزمه كاتبه أحمد بن محمد الواسطي وهو إذ ذاك غلام حسن الشاهد حاضر النادرة فأنس به المستعين.
**************************
يذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 64 من 167 ) : " وقال أبو الخطاب بن دحية في كتاب النبراس: وخربت قطائع أحمد بن طولون يعني في الشدة العظمى زمن الخليفة المستنصر وهلك جميع من كان بها من الساكنين وكانت نيفًا على مائة ألف دار نزهة للناظرين محدقة بالجنان والبساتين والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين
*********************************
المقريزى يصف الفسطاط فى أيام العاضد آخر خليفة فاطمى حكم مصر
يذكر المقريزى فى المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار الجزء الثاني ( 67 من 167 ) : " ما قيل في مدينة فسطاط مصر قال ابن رضوان: والمدينة الكبرى اليوم بأرض مصر ذات أربعة أجزاء: الفسطاط والقاهرة والجزيرة والجيزة وبعد هذه المدينة عن خط الاستواء ثلاثون درجة والجبل المقطم في شرقيها وبينها وبين مقابر المدينة.
وقد قالت الأطباء: إن أردأ المواضع ما كان الجبل في شرقيه ويعوق ريح الصبا عنه وأعظم أجزائها: هو الفسطاط ويلي الفسطاط من الغرب: النيل وعلى شط النيل الغربي أشجار طوال وقصار وأعظم أجزاء الفسطاط: موضع في غور فإنه يعلوه من المشرق المقطم ومن الجنوب الشرف ومن الشمال الموضع العالي من عمل فوق أعني الموقف والعسكر وجامع ابن طولون ومتى نظرت إلى الفسطاط من الشرق أو من مكان آخر عال: رأيت وضعها في غور.
وقد بين أبقراط أن المواضع المتسفلة: أسخن من المواضع المرتفعة وأردأ هواء لاحتقان البخار فيها ولأن ما حولها من المواضع العالية يعوق تحليل الرياح لها وأزقة الفسطاط وشوارعها ضيقة وأبنيتها عالية وقد قال روفس: إذا دخلت مدينة فرأيتها ضيقة الأزقة مرتفعة البناء فاهرب منها لأنها وبيئة أراد أن البخار لا ينحل منها كما ينبغي لضيق الأزقة وارتفاع البناء.
ومن شأن أهل الفسطاط أن يرموا ما يموت في دورهم من السنانير والكلاب ونحوها من الحيوان الذي يخالط الناس فس شوارعهم وأزقتهم فتعفن وتخالط عفونتها الهواء ومن شأنهم أيضًا: أن يرموا في النيل الذي يشربون منه فضول حيواناتهم وجيفها وخرارا كنفهم تصب فيه وربما انقطع جري الماء فيشربون هذه العفونة باختلاطها بالماء وفي خلال الفسطاط مستوقدات عظيمة يصعد منها في الهواء دخان مفرط وهي أيضًا كثيرة الغبار لسخانة أرضها حتى أنك ترى الهواء في أيام الصيف كدرًا يأخذ بالنفس ويتسخ الثوب النظيف في اليوم الواحد وإذا مر الإنسان في حاجة لم يرجع إلا وقد اجتمع في وجهه ولحيته غبار كثير ويعلوها في العشيات خاصة في أيام الصيف بخار كدر أسود وأغبر وسيما إذا كان الهواء سليمًا من الرياح وإذا كانت هذه الأشياء كما وصفنا فمن البين أنه يصير الروح الحيوااني الذي فيها حالة كهذه الحال فيتولد إذًا في البدن من هذه الأعراض فضول كثيرة واستعدادات نحو العفن إلا أن ألف أهل الفسطاط لهذه الحال وأنسهم بها يعوق عنهم أكثر شرها وإن كانوا على كل حال أسرع أهل مصر وقوعًا في الأمراض وما يلي النيل من الفسطاط يجب أن يكون أرطب مما يلي الصحراء وأهل الشرق أصلح حالًا لتخرق الرياح لدورهم وكذلك عمل فوق والحمراء إلا أن أهل الشرف الذي يشربونه أجود لأنه يستقى قبل أن تخالطه عفونة الفسطاط فأما القرافة فأجود هذه المواضع لأن المقطم يعوق بخار الفسطاط من المرور بها وإذا هبت ريح الشمال مرت بأجزاء كثيرة من بخار الفسطاط والقاهرة على الشرف فغيرت حاله وظاهر أن المواضع المكشوفة في هذه المدينة هي أصح هواء وكذلك حال المواضع المرتفعة وأردأ موضع في المدينة الكبرى هو ما كان من الفسطاط حول الجامع العتيق إلى ما يلي النيل والسواحل وإذا كان في الشتاء وأول الربيع حمل من بحر الملح سمك كثير فيصل إلى هذه المدينة وقد عفن وصارت له رائحة منكرة جدًا فساغ في القاهرة ويأكله أهلها وأهل الفسطاط فيجتمع في أبدانهم منه فضول كثيرة عفنة فلولا الأعتدال أمزجتهم وصحة أبدانهم في هذا الزمان لكان ذلك يولد في أبدانهم أمراضًا كثيرة قاتلة إلا أن قوة الستمرار تعوق عن ذلك وربما انقطع النيل في آخر الربيع وأول الصيف من جهة الفسطاط فيعفن بكثرة ما يلقي فيه إلى أن يبلغ عفنه إلى أن تصير له رائحة منكرة محسوسة.
قال: فمن البين أن أهل هذه المدينة الكبرى بأرض مصر أسرع وقوعًا في الأمراض من جميع أهل هذه الأرض ما خلا أهل الفيوم فإنها أيضًا قريبة وأردأ ما في المدينة: الموضع الغائر من الفسطاط ولذلك غلب على أهلها الحين وقلة الكرم وأنه ليس أحد منهم يغيث ولا يضيف الغريب إلا في النادر وصاروا من السعاية والاغتياب على أمر عظيم ولقد بلغ بهم الجبن إلى أن خمسة أعوان تسوق منهم مائة رجل وأكثر ويسوق الأعوان المذكورين: رجل واحد من أهل البلدان الأخر وممن قد تدرب في الحرب فقد استبان إذًا العلة والسبب في أن صار أهل المدينة الكبرى بأرض مصر أسرع وقوعًا في الأمراض من جميع أهل هذه الأرض وأضعف أنفسًا ولعل لهذا السبب اختار القدماء: اتخاذ المدينة في غير هذا الموضع فمنهم من جعلها بمنف وهي: مصر القديمة ومنهم من جعلها بالإسكندرية ومنهم من جعلها بغير هذه المواضع ويدل على ذلك آثارهم.
وقال ابن سعيد عن كتاب الكمائم وأما فسطاط مصر فإن مبانيها كانت في القديم متصلة بمباني مدينة عين شمس وجاء الإسلام وبها بناء يعرف بالقصر حوله مساكن وعليه نزل عمرو بن العاص وضرب فسطاطه حيث المسجد الجامع المنسوب إليه ثم لما فتحها: قسم المنازل على القبائل ونسبت المدينة إليه فقيل: فسطاط عمرو وتداولت عليها بعد ذلك ولاة مصر فاتخذوها سريرًا للسلطنة وتضاعفت عمارتها فأقبل الناس من كل جانب إليها وقصروا أمانيهم عليها إلى أن رسخت بها دولة بني طولون فبنوا إلى جانبها المنازل المعروفة بالقطائع وبها كان مسجد ابن طولون الذي هو الآن إلى جانب القاهرة وهي مدينة مستطيلة يمر النيل مع طولها ويحط في ساحلها المراكب الآتية من شمال النيل وجنوبه بأنواع الفوائد ولها منتزهات وهي في الإقليم الثالث ولا ينزل فيها مطر إلا في النار وترابها تثيره الأرجل وهو قبيح اللون تتكدر منه أرجاؤها ويسوء بسببه هواؤها ولها أسواق ضخمة إلا أنها ضيقة ومبانيها بالقصب والطوب طبقة على طبقة ومذ بنيت القاهرة ضعفت مدينة الفسطاط وفرط في الاغتباط بها بعد الإفراط وبينهما بحو ميلين وأنشد فيها الشريف العقيلي: أحن إلى الفسطاط شوقًا وإنني لأدعو لها أن لا يحل بها القطر وهل في الحيا من حاجة لجنابها وفي كل قطر من جوانبها نهر تبدت عروسًا والمقطم تاجها ومن نيلها عقد كما انتظم الدر وقال عن كتاب آخر: فالفسطاط هي قصبة مصر والجب المقطم شرقها وهو متصل بجبل الزمرد.
وقال عن كتاب ابن حوقل: والفسطاط مدينة حسنة ينقسم النيل لديها وهي كبيرة نحو ثلث بغداد ومقدارها نحو فرسخ على غاية العمارة والطيبة واللذة ذات رحاب في محالها وأسواق عظام فيها ضيق ومتاجر فخام ولها ظاهر أنيق وبساتين نضرة ومنتزهات على ممر الأيام خضرة وفي الفسطاط قبائل وخطط للعرب تنسب إليها كالبصرة والكوفة إلا أنها أقل من ذلك وهي سبخة الأرض غير نقية التربة وتكون بها الدار سبع طبقات وستًا وخمسًا وربما يسكن في الدار المائتان من الناس ومعظم بنيانهم بالطوب وأسفل دورهم غير مسكون وبها مسجدان للجمعة بنى أحدهما عمرو بن العاص في وسط الفسطاط والآخر علىالموقف بناص أحمد بن طولون وكان خارج الفسطاط أبنية بناها أحمد بن طولون ميلًا في ميل يسكنها جنده تعرف بالقطائع كما بنى بنو الأغلب خارج القيروان وقادة وقد خربتا في وقتنا هذا وأخلف الله بدل القطائع بظاهر مدينة الفسطاط القاهرة.
قال ابن سعيد: ولما استقررت بالقاهرة تشوقت إلى معاينة الفسطاط فسار معي أحد أصحاب العزمة فرأيت عند باب زويلة من الحمير المعدة لركوب من يسير إلى الفسطاط جملة عظيمة لا عهد لي بمثلها في بلد فركب منها حمارًا وأشار إلي أن اركب حمارًا آخر فأنفت من ذلك جريًا على عادة ما خلفته في بلاد المغرب فأعلمني أنه غير معيب على أعيان مصر وعاينت الفقهاء وأصحاب البزة والسادة الظاهرة يركبونها فركبت وعندما استويت راكبًا أشار المكاري على الحمار فطار بي وأثار من الغبار الأسود ما أعمى عيني ودنس ثيابي وعاينت ما كرهته ولقلة معرفتي بركوب الحمار وشدة عدوه على قانون لم أعهده وقلة رفق المكاري وقفت في تلك الظلمة المثارة من ذلك العجاج فقلت: لقيت بمصر أشد البوار ركوب الحمار وكحل الغبار أناديه مهلًا فلا يرعوي إلى أن سجدت سجود العثار وقد مد فوقي رواق الثرى وألحد فيه ضياء النهار فدفعت إلى المكاري أجرته وقلت له: إحسانك إلي أن تتركني أمشي على رجلي ومشيت إلى أن بلغتها وقدرت الطريق بين القاهرة والفسطاط وحققت بعد ذلك نحو الميلين ولما أقبلت على الفسطاط أدبرت عنى المسرة وتأملت أسوار مثلمة سوداء وآفاقًا مغبرة ودخلت من بابها وهو دون غلق مفض إلى خراب معمور بمبان سيئة الوضع غير مستقيمة الشوارع قد بنيت من الطوب الأدكن والقصب والنخيل طبقة فوق طبقة وحول أبوابها من التراب الأسود والأزبال ما يقبض نفس النظيف ويغض طرف الطريف فسرت وأنا معاين لاستصحاب تلك الحال إلى أن سرت في أسواقها الضيقة فقاسيت من ازدحام الناس فيها بحوائج السوق والروايا التي على الجمال ما لا يفي به إلا مشاهدته ومقاساته إلى أن انتهيت إلى المسجد الجامع فعاينت من ضيق الأسواق التي حوله ما ذكرت به ضده في جامع أشبيلية وجامع مراكش ثم دخلت إليه فعاينت جامعًا كبيرًا قديم البناء غير مزخرف ولا محتفل في حصره التي بدور مع بعض حيطانه وتبسط فيه وأبصرت العامة رجالًا ونساء قد جعلوه معبرًا بأوطئة أقدامهم يجوزون فيه من باب إلى باب ليقرب عليهم الطريق والبياعون يبيعون فيه أصناف المكسرات والكعك وما جرى مجرى ذلك والناس يأكلون منه في أمكنة عديدة غير محتشمين لجري العادة عندهم بذلك وعدة صبيان بأواني ماء يطوفون على من يأكل قد جعلوا ما يحصل لهم منهم رزقًا وفضلات مآكلهم مطروحة في صحن الجامع وفي زواياه والعنكبوت قد عظم نسجه في السقوف والأركان والحيطان والصبيان يلعبون في صحنه وحيطانه مكتوبة بالفحم والحمرة بخطوط قبيحة مختلفة من كتب فقراء العامة إلا أن مع هذا كله على الجامع المذكور من الرونق وحسن القبول وانبساط النفس ما لا تجده في جامع إشبيلية مع زخرفته والبستان الذي في صحنه وقد تأملت ما وجدت فيه من الارتياح والأنس دون منظر يوجب ذلك فعلمت أنه سر مودع من وقوف الصحابة رضوان الله عليهم في ساحته عند بنائه واستحسنت ما أبصرته فيه من حلق المصدرين لإقراء القرآن والفقه والنحو في عدة أماكن وسألت عن موارد أرزاقهم فأخبرت أنها من فروض الزكاة وما أشبه ذلك ثم أخبرت أن اقتضائها يصعب إلا بالجاه والتعب ثم انفصلنا من هنالك إلى ساحل النيل فرأيت ساحلًا كدر التربة غير نظيف ولا متسع الساحة ولا مستقيم الاستطالة ولا عليه سور أبيض إلا أنه مع ذلك كثير العمارة بالمراكب وأصناف الأرزاق التي تصل من جميع أقطار الأرض والنيل ولئن قلت إني لم أبصر على نهر ما أبصرته على ذلك الساحل فإني أقول حقًا والنيل هنالك ضيق لكون الجزيرة التي بنى فيها سلطان الديار المصرية الآن قلعته قد توسطت الماء ومالت إلى جهة الفسطاط وبحسن سورها المبيض الشامخ: حسن منظر الفرجة في ذلك الساحل وقد ذكر ابن حوقل الجسر الذي يكون ممتدًا من الفسطاط إلى الجزيرة وهو غير طويل ومن الجانب الآخر إلى البر الغربي المعروف ببر الجيزة جسر آخر من الجزيرة إليه وأكثر جواز الناس بأنفسهم ودوابهم في المراكب لأن هذين الجسرين قد احترما بحصولهما في حيز قلعة السلطان ولا يجوز أحد على على الجسر الذي بين الجزيرة والفسطاط راكبًا احترامًا لموضع السلطان ويتنافي ليلة ذلك اليوم بطيارة مرتفعة على جانب النيل فقلت: نزلنا من الفسطاط أحسن منزل بحيث امتداد النيل قد دار كالعقد وقد جمعت فيه المراكب سحرة كسرب قطا أضحى يزف على ورد وأصبح يطغى الموج فيه ويرتمي ويطغو حنانًا وهو يلعب بالنرد غدا ماؤه كالريق ممن أحبه فمدت عليه حلية من حلي الخد وقد كان مثل الزهر من قبل مدة فأصبح لما زاده المد كالورد قلت: هذا لأني لم أذق في المياه أحلى من مائه وأنه يكون قبل المد الذي يزي به ويفيض على أقطاره أبيض فإذا كان عباب النيل صار أحمر.
وأنشدني علم الدين فخر الترك أيدمر عتيق حبذا الفسطاط من والدة جنبت أولادها در الجفا يرد النيل إليها كدرًا فإذا مازج أهليها صفا لطفوا فالمزن لا يألفهم خجلًا لما رآهم ألطفا ولم أر في أهل البلاد ألطف من أهل الفسطاط حتى أنهم ألطف من أهل القاهرة وبينهما نحو ميلين وجملة الحال أن أهل الفسطاط في نهاية من اللطافة واللين في الكلام وتحت ذلك من الملق وقلة المبالاة برعاية قدم الصحبة وكثرة الممازجة والألفة ما يطول ذكره وأما ما يرد على الفسطاط من متاجر البحر الإسكندراني والبحر الحجازي فإنه فوق ما يوصف وبها مجمع ذلك لا بالقاهرة ومنها تجهز إلى القاهرة وسائر البلاد وبالفسطاط مطابخ السكر والصابون ومعظم ما يجري هذا المجرى لأن القاهرة بنيت للاختصاص بالجند كما أن جميع زي الجند بالقاهرة أعظم منه بالفسطاط وكذلك ما ينسج ويصاغ وسائر ما يعمل من الأشياء الرفيعة السلطانية والخراب في الفسطاط كثير والقاهرة أجد وأعمر وأكثر زحمة بسبب انتقال السلطان إليها وسكنى الأجناد فيها وقد نفخ روح الاعتناء والنمو في مدينة الفسطاط الآن لمجاورتها للجزيرة الصالحية وكثير من الجند قد انتقل إليها للقرب من الخدمة وبنى على سورها جماعة منهم مناظر تبهج الناظر يعني ابن سعيد: ما بني على شقة مصر من جهة النيل.
ما عليه مدينة مصر الآن وصفتها قد تقدم من الأخبار جملة تدل على عظم ما كان بمدينة فسطاط مصر من المباني وكثرتها ثم الأسباب التي أوجبت خرابها وآخر ما رأيت من الكتب التي صيفت في خطط مصر كتاب إيقاظ المتغفل وأتعاظ المتأمل تأليف: القاضي الرئيس تاج الدين محمد بن عبد الوهاب بن المتوج الزبيري رحمه الله وقطع على سنة خمس وعشرين وسبعمائة فذكر من الأخطاط المشهورة بذاتها لعهده اثنين وخمسين خطًا ومن الحارات ثنتي عشرة حارة ومن الأزقة المشهورة: ستة وثمانين زقاقًا ومن الدروب المشهورة: ثلاثة وخمسين دربًا ومن الخوخ المشهورة: خمسًا وعسشرين خوخة ومن الأسواق المشهورة: تسعة عشر سوقًا ومن الخطط المشهورة بالدور: ثلاثة عشر خطًا ومن الرحاب المشهورة: خمس عشرة رحبة ومن العقبات المشهورة: إحدى عشرة عقبة ومن الكيمان المسماة: ستة كيمان ومن الأقباء: عشرة أقباء ومن البرك: خمس برك ومن السقائف: خمسًا وستين سقيفة ومن القياسر: سبع قياسر ومن مطابخ السكر العامرة: ستة وستين مطبخًا ومن الشوارع: ستة شوارع ومن المحارس: عشرين محرسًا ومن الجوامع التي تقام فيها الجمعة بمصر وظاهرها من الجزيرة والقرافة: أربعة عشر جامعًا ومن السماجد: أربعمائة وثمانين مسجدًا ومن المدارس: سبع عشرة مدرةسة ومن الزوايا: ثماني زوايا ومن الربط التي بمصر والقرافة: بضعًا وأربعين رباطًا ومن الأحباس والأوقاف كثيرًا ومن الحمامات: بضعًا وسبعين حمامًا ومن الكنائس وديارات النصارى: ثلاثين ما بين دير وكنيسة وقد باد أكثر ما ذكره ودثر وسيرد ما قاله من ذلك في مواضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
-------------------------------
مراجع هذا الفصل
(1) راجع مصر من تانى – محمود السعدنى – دار كتاب صدر عن دار أخبار اليوم ص 31
(2) الراهب القمص أنطونيوس الأنطونى فى كتاب وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها من بعد الآباء الرسل حتى عصر الرئيس الراحل السادات ( منذ عام 150 إلى عام 1981 ) رقم الإيداع 9836/95 المطبعة ص 149 – دار الطباعة القومية بالفجالة
(3) تاريخ الأمة المصرية – المجلد الرابع : مصر الإسلامية من الفتح العربى إلى الفتح التركى ( باللغة الفرنسية) – جاستون فييت ص 19
(4) البشموريين هم محاربون أشداء وقفوا ضد الغزو العربى منذ بدايتة وقاومو عمر بن العاص مقاومة شديدة لمدة سبع سنين وهم من الأقباط الذين تزاوجوا مع الأروام وسكنوا منطقة المستنقعان شمال الدلتا وهى منطقة خطرة لا يعرف دروبها إلا هم وظلت مقاومتهم بين الفوران والخمود حتى كانت ثورتهم الأخيرة على الحكم العباسى وأخيراً قضى عليهم الخليفة العباسى المأمون
(5) أشتهر أنه بنى المسجد بظاهر القاهرة
(6) تاريخ مصر فى العصور الوسطى 0 بالإنجليزية ) – ستانلى لين بول ص101- 105 وأيضاً راجع كنيسة الإسكندرية فى أفريقيا لزاهر رياض ص 168- 169.
(7) كتاب تاريخ الامه القبطيه وكنيستها تاليف ا0ل0بتشر تعريب اسكندر تادرس طبعة 1900 الجزء الثانى ص 8-10
(8) القاهرة – تاريخها وآثارها لعبد الرحمن زكى ص 17
(9) صفحات من تاريخ مصر 2- تاريخ مصر إلى الفتح العثمانى – تأليف عمر الإسكندرى و أ. ج. سَفِدْج – مكتبة مدبولى 1410هـ -1990م ص 33
(10) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م إعداد د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951ص 119
11) قصة الكنيسة القبطية – وهى تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التى أسسها مار مرقس البشير – بقلم المتنيحة أيريس حبيب المصرى- الطبعة السابعة 2000 – الكتاب الثالث ص 17
(12) تاريخ مصر فى العصور الوسطى 0 بالإنجليزية ) – ستانلى لين بول ص 108
(13) راجع مصر من تانى – محمود السعدنى – دار كتاب صدر عن دار أخبار اليوم ص 32
(14) الخريده النفيسه فى تاريخ الكنيسه للأسقف الأنبا إيسوزورس طبع القاهره 1923 ج2 ص 252-253
(15) راجع مصر من تانى – محمود السعدنى – دار كتاب صدر عن دار أخبار اليوم ص 32
(16) صفحات من تاريخ مصر 2- تاريخ مصر إلى الفتح العثمانى – تأليف عمر الإسكندرى و أ. ج. سَفِدْج – مكتبة مدبولى 1410هـ -1990م ص 214
(17) أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى الى عام 1922م إعداد د0 جاك تاجر د0 فى الآداب من جامعه باريس القاهره 1951 ص 118
(18) المقريزى – إتعاظ الحنفاء ص 88
S. Lane P . 99 (19)
(21) وهى كلمة تعنى كنيسة صغيرة أو ضيقة
(22) سيرة القديس سمعان الخراز " الدباغ" المؤلف والناشر كنيسة القديس سمعان الدباغ بالمقطم – الطبعة الرابعة أبريل 1996 المطبعة دار إلياس العصرية رقم ألإيداع 11190/ 1993ص 18
(23) كتاب د/ حسن الباشا - القاهرة
(24) راجع مصر من تانى – محمود السعدنى – دار كتاب صدر عن دار أخبار اليوم ص33 (25) راجع مصر من تانى – محمود السعدنى – دار كتاب صدر عن دار أخبار اليوم ص 32
(26) تاريخ الكنيسه القبطيه للمتنيح القس منسى 1899- 1930م ص 436
(27) تاريخ مصر فى العصور الوسطى 0 بالإنجليزية ) – ستانلى لين بول ص 104 - وراجع أيضاً مختصر تاريخ .. لجاستون فييت ج2 المبجث الثانى ص 180
| |
|