موضوع: عُمان والأربعون عاماً وأحلام العُمانيين نهاراً الجمعة 24 سبتمبر 2010 - 0:28
عُمان والأربعون عاماً وأحلام العُمانيين نهاراً
لا يخفى الحالُ العُمانيُّ على العُمانيين. من المؤكد أن هذه العِبارة واضحة بما يكفي لتكون مُباشرة مثل [يعيش السمكُ في البحر].
فالسمك يعيش في البحر، والعُمانيون يعيشون في عُمان، ولكن ثمة فارق كبير بين السمك والعُمانيين. الوضعُ في عُمان الآن يتعافى من الفورة النفطية الهائلة التي عاشَها العُمانيون بشكل طَفيف، خلال خمس سنوات فحسب ارتفعت أسعار العقارات والأراضي والإيجارات بشكلٍ مجنونٍ للغاية، واضطر العُمانيون في هذه الفترة إلى قَبول تنازلاتٍ عديدة على مستوى حياتِهم المُعتادة، فبينما زادَ عدد السكان [العزابية] في الشقق من ثلاثة، إلى اثنين في الغرفة الواحدة، ارتفعَ العدد إلى ستة أو سبعة، وربما يزيد في حالة طلاب الجامعة أو طلاب الكليات التجارية [المنشوحة] بلا ترتيب في العاصمة مسقط. تغيرت التنازلات عن نمط الحياة المُعتاد أيضا من جهة الزواج، فلم تعد الزوجة الموظفة خياراً من الخيارات، وإنما أصبحت ضرورة لازمة لا يمكن بدونِها تحقيق الحُلم العُماني، وخلال هذه السنوات الخمس من [2005 – 2010] انضربت العديد من القيم الإنسانية المُتعارف عليها شرَّ ضربٍ بسبب سوق العقارات العُماني، فبينما كانَ الثراء في السابق من نصيب هؤلاء الذين ينشئون أعمالا تجارية بسيطة تكبر مع الوقت، أو يكون الثراء نصيب المتعلمين الحاصلين على الشهادات الجامعية، وما بعد الجامعية، وبينما كانت احتمالات أن يستطيع الموظف الحكومي المتعلم والحاصل على الماجستير تحقيق الحلم العُماني [البيت ــ الزوجة ــ السيارة] فقد انقلبت الآية شرَّ انقلابٍ، وأصبحَ الثراء وأصبحت الدعة نصيبَ هؤلاء الذين يجيدون سمسرة العقارات، والذين يجيدون إنشاء المحافظ الوهمية، وقد خسر آلاف العُمانيين [تحويشة العُمر] في المحافظ التي أنشأ بعضها موظفون في جهاز الأمن الداخلي العُماني، والتي كان يروج لها موظفون في شرطة عُمان السلطانية ويشارك فيها آلاف الموظفين من مختلف وأهم الجهات الأمنية والاقتصادية في عُمان. في هذا الجانب عيبٌ من عيوبِنا، ودعونا نعترفُ أيضا بهذا العيب، نحن أناسٌ سلبيون فيما يخص التجارة والاتجار، نريد دائما الخيار الأسهل، وعندما نُمنح الخيار نختار الاستثمار السلبي الشهير [ابنِ مكاناً ثم قم بتأجيره] أو اجلب عاملا هندياً وقم بتجارةٍ مستترة، أو اجلب مئات العُمال وخذ منهم مبالغ شهرية، دون أن يفكر البعض أن هذا ضربٌ من ضروب الفساد الحقيقي.
تغيرت الأوضاع ولم يتغير العُمانيون. فالذي كان يبني البيت في التسعينيات بثلاثين ألفاً، أصبح يبنيه بستين ألفاً، والذي كان يسرح ويمرح براتبه الذي يتجاوز الخمسمائة ريال أصبح اليوم منهكا بإيجار الشقق، ومحاصرا بغلاء أسعار الأراضي، ومطالباً بالكثير من المصاريف التي أصبح ينوء بحملِها المواطن العادي، وعلى الصعيد العام العمارات تزيد وتكثر، والوافدون يزيدون ويكثرون، والمصائب تزيد وتكثر، أما الذي لم يتغير فهم العُمانيون.
العُمانيون في كلِّ مجلس وفي كلِّ جلسةٍ لا حديث لهم سوى عن الفساد والمُفسدين، ولا حديث لهم سوى عن مسؤولين محددين بالاسم، بعضهم يتولى توريث أبنائه المناصب العامَّة، والبعض الآخر يعلن بكلِّ بجاحة اسم ابنِه وهو يتولى مشروعا من مشاريع المال العام، والحديث يكثر، والمطالب تكثر، والعيد الأربعين يطرق الباب وعوضا عن ظهور مطالبات شعبية حقيقية، أو ظهور حركات إصلاحية من داخل المؤسسة الحكومية يكتفي الشرفاء بالمشاهدة والتحسر دون الإقدام على تصرفٍ من أجل الصالح العام، يكتفي الشرفاء والمطبلون بالتطبيل ليلَ نهار في النهضة الأربعينية، ويغدق الإعلام التغطية على الإنجازات التي سمعناها مذ كنا صغارا [الشوارع ــ المدارس ــ المستشفيات] وكأننا حتى هذه اللحظة في عام 1989م لم يتغير شيء.
&&&
[ أحمد عبد النبي مكي ــ راجحة بنت عبد الأمير ــ مقبول علي سلطان] أسماء يلوكُها الشارع العُماني ليل نهار كما لاكَ ذات يوم اسمي [جمعة آل جمعة ــ عبد الله عباس] وكما يلوك حتى هذه اللحظة [خميس العلوي]، أسماء تمرُّ على اللسان ولا تمرُّ على الميزان، ومعركة توهمنا أنَّها ستكون ضدَّ الفساد والمُفسدين لم تسقط أكثر من عِمارةٍ واحدة على الشارع العام لا نعرفُ حتى هذه اللحظة إن كانت فعلاً قد سقطت بما يرضي الله والضمير والقانون.
&&&
في غياب إعلام حقيقي يهدفُ إلى إصلاح المجتمع وإعادة الطموح إليها يصبح جهاز الإعلام الفعال في عُمان هو [جهاز الإشاعات] المتحرك دائما، والذي يعد بالكثير، وبينما يتحرك بعض الشرفاء في عُمان للمطالبة بجامعة حكومية جديدة، وبرفع نسبت استيعاب خريجي التعليم العام، وبزيادة عدد البعثات الخارجية، يغرقُ البعض في شائعة غريبة عجيبة اسمها [الإمبراطورية العُمانية].
تقول هذه الإشاعة ــ والمصادفة أنها ترددت في فترة حياة الملك حسين أيضا ــ أن جلالة السلطان عندما يكمل أربعين عاما في الحكم فسوف تفك معاهدة ما تعيد حقوق النفط في عُمان إلى العُمانيين، وسوف يرتفع بذلك نصيب العُمانيين من النفط إلى [تسعة أضعاف] ويصف البعض ممن يحلمون نهارا أنَّ الحدود سوف تضطرب بسبب كثرة الخليجيين الذين سوف يأتون من كلِّ فجٍ عَميقٍ لعُمان الجديدة التي سوف يكون راتب المواطن العادي فيها راتب الوزير في الدول الثانية !!! وهكذا يحلم العُمانيون نهاراً، وهكذا يردد البعض ــ وللأسف بعضهم طلاب في جامعة السلطان قابوس ــ الكلام ببلاهة منقطعة النظير، فهؤلاء أمامهم كلَّ الأجيال المؤدلجة والصامتة والتي تعيش حتى هذه اللحظة في عصر الخرافات والأوهام، وليسوا سوى تبَّع صامتين شعارُهم الأثير [لا أرى ــ لا أسمع ــ لا أتكلم].
تسير الحكومة العُمانية في خططها، وتنجح في بعضها وتفشل في البعض الآخر، ولا أريد أن أكون سلبياً فأقول أن كل ما فعلته الحكومة كان سيئاً، كما لا أريد أن أكون طبالاً في فرقة كي أقول أنَّها فعلت كلَّ شيء كما كنا نأمل، لا تعنيني الحُكومة في هذا السياق إلا بقدر ما تعني للمجتمع، والمُجتمع في عُمان جامدٌ حتى هذه اللحظة يرفض التحرك ولو للحظة واحدة من أجل مصلحته العامَّة.
&&&
يُعالجُ الخطأ بخطأ آخر أحيانا. فعَلى سبيل المثال عندما ارتكبت الحكومة أخطاءً، قُلبت الطاولة على العُمانيين:
أولا: في سياسة العَمل والعُمال، فتحت الحكومة الباب على مصراعيه في جلب واستجلاب العمَّال، وأصبحت العَمال السائبة شيئا متعارفاً عليه في المجتمع العُماني ولا تحتاج إلا إلى إعلان هروب عامل كي تجلب عاملاً جديدا، بينما يعمل العاملُ السابق عند عُماني مثلك لا يجد غضاضة أن يشغل عاملاً أو مئات لأنَّ الحكومة تعطي هذا وذاك تصاريح جلب العُمال وهم يستخدمونَها لمصالحهم الخاصَّة، وما الذي حدث استيقظت الحكومة ذاتَ يوم على مجتمع يُعامل العُمال بسوء، وبماذا خرج لنا دعاة الوطنية والوطن؟ قالوا لنا أن السبب هو في العُمانيين وأنهم في جوهرهم [يستعبدون الناس] وعندما شنَّت الحكومة الحملة الشهيرة على العَمل والعُمال لاقت سخطا من المُجتمع، فالعُماني التقليدي قد اعتاد على الشغَّالة التي تعمل ليل نهار دون إجازة، والتي تأخذ مبلغا يقل عن خمسين ريالا في الشهر، وعندما حاولت الحكومة إصلاح ذلك تحركت الأجهزة الإعلامية [لتوعي الناس] بعد خراب مالطة وليخرجَ لن المجرم الحقيقي الوحيد وهو [المجتمع العُماني] لا غيرَه.
ثانياً: منذ عشرات السنين والعُمانيون يموتون في الشوارع، يموتون لأسبابٍ كثيرة، وعندما أعلن صاحب الجلالة ملاحظته الشهيرة على الحوادث فوجئنا بالشرطة تضع لوحاتِها على الشارع العَام [نعم يا مولانا للحد من حوادث المرور] وكأن حوادث المرور قد نشأت صدفةً فقط بعد الخطاب السامي، وإذا بالتحذيرات من الشرطة تتوالى ليل نهار، حتى في فترة الإعصار فيت [يتنازعون] في إعلانات الجرائد ويقولون [سوف نعاقب من تسول له نفسُه المرور بالوادي] وكأن كل الذين ماتوا في جونو وفي الإعصار فيت [سبب من نفسهم] لا أنكر أن عددا منهم كذلك، ولكن هل هذه سياسة حكيمة؟ هل هذا خطاب إعلامي حكيم؟ الشرطة تلقي باللائمة على المواطن نفسه وأنه [سبب مصائبه] والحكومة بريئة كل البراءة من هذه المشكلات التي يتعرض لها المجتمع، الأمر نفسه مثل الجريمة، ومثل مشاكل السرقات والتخريب، عوضاً من خروج مالك بن سليمان على الملأ ليقول لنا أن نسبة البطالة مرتفعة، وأن هذا العدد الهائل من الباحثين عن عَمل يسببون ضغطا أمنياً، يخرج لنا دُعاة الأمن والأمان ليلقوا باللائمة على الجيل الشاب الجديد [الذي لم يعيش كما عاش الأولون] ويطلبون من الشباب المولودين في الثمانينات الاعتراف بأفضال الحكومة بالتعبد ليل نهار في المديح الوطني الذي لا ينتهي، ولا جديد في هذا الشأن، كلُّ ما يحدث هو أن الخطاب يتم ليَّه ليكون المواطن هو المجرم الأول وهو سبب كلُّ مصائبه، أما الحكومة ذات النفوذ وذات القوة السياسية والاقتصادية فهي بريئة كلَّ البراءة مما يحدث للعمانيين.
ثالثاً: ما يحدث من مصائب في قطاع التعليم، ارتكبت الحكومة ربما أكبر أخطائها، ألا وهي سياسة [التعمين الجائر] التي اتبعتها في التسعينيات. خرجت كليات التربية بآلاف المعلمين الصغار سنا وخبرة ودفعت بهم دفعاً في التعليم العام، بالطبع المجتمع آنذاك لم يجد غضاضةً في الأمر فلعل أكثرهم يرى في الأمر [لقمة عيش]، ومع مرور السنوات اتضح خطأ هذه السياسة، فماذا فعلت الحكومة؟ وماذا فعلت وزارة التربية والتعليم؟ بدلا من اللجوء إلى تأهيل وتدريب وإعادة تصنيف المعلمين القائمين على وظائفهم، أعلنت شعار [المعلم العُماني لا ينفع] واتجهت إلى تعيين الوافدين، والمصيبة أن الوافدين يعملون برواتب تقترب من الرواتب التي تُعطى للوافدين في التسعينيات، يعني ببساطة بالغة ما الذي فعلوه، في السابق كنت تجلب المعلم وتعطيه راتباً يتمكن من توفير نصفه وإرساله إلى أهله في الخارج، الراتب نفسه الآن لم يعد يكفي فرداً واحدا يعيش بعيدا عن مسقط، فما بالكم بالعيش في مسقط، ولذلك يقبل المجيء أيضا المدرسون الصغار سناً وخبرةً فتحل المشكلة بمشكلة أخرى، وعندما تُراجع السياسات التعليمية وجداول الرواتب يصرخ لك دعاة الوطنية أن المشكلة في العُمانيين هم الذين لا يريدون أن يُعَلِّموا، ولا يريدون أن يتعلموا، وننظر إلى حال التعليم في عُمان والأجيال التي تتخرج تحت أيدي هؤلاء بخوف وحسرةٍ وقلق. أخطأت الحكومة عندما وعدت قبل فترة بأن التعليم مبني على سوق العَمل، وأخطأت مرة أخرى عندما وجدت عددا كبيرا من المعلمين لم يتعين وقررت رفع شعار [الكفاءة أولاً] فلا المجتمع سيقبل تسريح غير الأكفاء من المعلمين، ولا المجتمع سيقبل الخيار الحكومي الجديد، ونحن الآن في معضلة سيفوز فيها الأقوى، وفي حالة عُمان الأقوى هي الدولة العُمانية أو بالأحرى الحكومة العُمانية حتى لا يزعل أصحاب المصطلحات. _____________________