الصومال (بالصومالية: Soomaaliya)، وتعرف رسميا باسم جمهورية الصومال (بالصومالية: Jamhuuriyadda Soomaaliya) وكانت تعرف فيما قبل باسم جمهورية الصومال الديموقراطية، هي دولة تقع في منطقة القرن الإفريقي. ويحدها من الشمال الغربي جيبوتي، وكينيا من الجنوب الغربي، وخليج عدن واليمن من الشمال والمحيط الهندي من الشرق وأثيوبيا من الغرب.
وقديما، كانت الصومال أحد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم. حيث كان البحارة والتجار الصوماليين الموردين الأساسيين لكل من اللبان (المستكة) ونبات المر والتوابل والتي كانت تعتبر من أقيم المنتجات بالنسبة للمصريين القدماء والفينقيين والمايسونيين والبابليين، الذين ارتبطت بهم جميعا القوافل التجارية الصومالية وأقام الصوماليون معهم العلاقات التجارية. وبالنسبة للعديد من المؤرخين ومدرسي التاريخ، تقع الصومال في نفس موقع مملكة البنط القديمة والتي كانت تربطها علاقات وثيقة مع مصر الفرعونية خاصة في عهدي الفرعون "ساحو رع" من ملوك الأسرة الخامسة عصر الدولة القديمة، والملكة "حتشبسوت" من ملوك الأسرة الثامنة عشر عصر الدولة الحديثة. ويدل على ذلك التكوينات الهرمية والمعابد والمباني التي تم بنائها بالجرانيت والرخام والتي يرجع زمانها إلى نفس الفترة التي يرجع إليها مثيلتها من المباني في مصر القديمة. وفي العصر القديم، تنافست العديد من الدويلات التي نشأت في بعض مناطق الصومال مثل شبه جزيرة حافون ورأس قصير ومنطقة مالاو مع جيرانهم من مملكة سبأ والأرشكيين والأكسميين على التجارة مع ممالك الهند والإغريق والرومان القديمة.
ومع ميلاد الإسلام على الجهة المقابلة لسواحل الصومال المطلة على البحر الأحمر تحول تلقائيا التجار والبحارة والمغتربين الصوماليين القاطنين في شبه الجزيرة العربية إلى الإسلام وذلك من خلال تعاملهم مع أقرانهم من التجار العرب المسلمين. ومع فرار العديد من الأسر المسلمة من شتى بقاع العالم الإسلامي خلال القرون الأولى من انتشار الإسلام بالإضافة إلى دخول أغلبية الشعب الصومالي إلى الإسلام سلميا عن طريق المعلمين الصوماليين المسلمين الذين عملوا على نشر تعاليم الإسلام في القرون التالية، تحولت الدويلات القائمة على أرض الصومال إلى دويلات ومدن إسلامية مثل مدن مقديشيو وبربرة وزيلع وباراوا ومركا والذين كونوا سويا جزءا من الحضارة البربرية. وقد عُرفت مقديشيو بعد انتشار الإسلام في الصومال باسم "مدينة الإسلام" كما تحكمت في تجارة الذهب في منطقة شرق إفريقيا لقرون طويلة.وفي العصور الوسطى، سيطرت على طرق التجارة العديد من الإمبراطوريات الصومالية القوية، منها إمبراطورية عجوران والتي حكمت المنطقة في الفترة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر للميلاد والذي برعت في الهندسة الهيدروليكية وبناء الحصون، وكذلك سلطنة عدل والتي كان قائدها الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي الملقب "بالفاتح" أول عسكري إفريقي يستخدم المدفعية العسكرية على مدار التاريخ خلال حربه ضد إمبراطورية الحبشة في الفترة الممتدة بين عام 1529 وحتى عام 1543، وأيضا حكام أسرة جوبورون والتي أرغمت سيطرتهم العسكرية حكام مدينة لامو من سلاطين الإمبراطورية العمانية على دفع الجزية للسلطان الصومالي أحمد يوسف، رابع سلاطين أسرة جوبورون والذي حكم في الفترة الممتدة بين عاميّ 1848 حتى 1878. وخلال القرن التاسع عشر وبعد انعقاد مؤتمر برلين عام 1884، أرسلت الإمبراطوريات الأوروبية العظمى جيوشها إلى منطقة القرن الإفريقي بغية السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية في العالم مما دفع الزعيم محمد عبد الله حسان، مؤسس الدولة الدرويشية، إلى حشد الجنود الصوماليين من شتى أنحاء القرن الإفريقي وبداية واحدة من أطول حروب المقاومة ضد الاستعمار على مدار التاريخ.
ولم تقع الصومال قديما تحت وطأة الاستعمار. حيث تمكنت دولة الدراويش من صد هجوم الإمبراطورية البريطانية أربع مرات متتالية وأجبرتها على الانسحاب نحو الساحل. ونتيجة لشهرتها الواسعة على مستوى الشرق الأوسط وأوروبا اعترفت بها كل من الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية كحليف لهما خلال الحرب العالمية الأولى، وبذلك بقيت السلطة المسلمة الوحيدة المستقلة على أرض القارة الإفريقية. وبعد انقضاء ربع قرن من إبقاء القوات البريطانية غير قادرة على التوغل داخل الأراضي الصومالية، هُزمت دولة الدراويش في عام 1920 عندما استخدمت القوات البريطانية الطائرات خلال معاركها في إفريقيا لقصف "تاليح" عاصمة الدولة الدرويشية وبذلك تحولت كل أراضي الدولة إلى مستعمرة تابعة للإمبراطورية البريطانية. كما واجهت إيطاليا نفس المقاومة من جانب السلاطين الصوماليين ولم تتمكن من بسط سيطرتها الكاملة على أجزاء البلاد المعروفة حالياً بدولة الصومال إلا خلال العصر الفاشي في أواخر عام 1927 واستمر هذا الاحتلال حتى عام 1941 حيث تم استبداله بالحكم العسكري البريطاني. وظل شمال الصومال مستعمرة بريطانية في حين تحول جنوب الصومال إلى دولة مستقلة تحت الوصاية البريطانية إلى أن تم توحيد شطري الصومال عام 1960 تحت اسم جمهورية الصومال الديموقراطية.
ونتيجة لعلاقاتها الأخوية والتاريخية مع مختلف أقطار الوطن العربي، تم قبول الصومال عضواً في جامعة الدول العربية عام 1974. كما عملت الصومال على توطيد علاقاتها بباقي الدول الإفريقية، فكانت من أولى الدول المؤسسة للاتحاد الإفريقي، كما قامت بدعم ومساندة المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، وكذلك دعم المقاتلين الإيرتريين خلال حرب التحرير الإيريترية ضد إثيوبيا. وكونها إحدى الدول الإسلامية كان الصومال واحداً من الأعضاءالمؤسسين لمنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك عضواً في منظمة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز. وبالرغم من معاناته جراء الحرب الأهلية وعدم الاستقرار على المستوى الداخلي، نجح الصومال في إنشاء نظام اقتصادي حر يفوق العديد من الأنظمة الاقتصادية الإفريقية الأخرى حسب دراسة لمنظمة الأمم المتحدة.
عصر ما قبل التاريخ
وطأت قدم الإنسان الأول أراضي الصومال في العصر الحجري القديم، حيث ترجع النقوش والرسومات التي وجدت منقوشة على جدران الكهوف بشمال الصومال إلى حوالي عام 9000 ق.م. وأشهر تلك الكهوف "مجمع لاس جيل" والذي يقع بضواحي مدينة هرجيسا حيث اكتشفت على جدرانه واحدة من أقدم النقوش الجدارية في قارة إفريقيا. كما عُثر على كتابات موجودة بأسفل كل صورة أو نقش جداري بالمجمع إلا أن علماء الآثار لم يتمكنوا من فك رموز تلك اللغة أو الكتابات حتى الآن. وخلال العصر الحجري نمت الحضارة في مدينتي هرجيسا ودزي مما أدى إلى إقامة المصانع وازدهار الصناعات التي اشتهرت بها كلا المدينتين. كما وجدت أقدم الأدلة الحسية على المراسم الجنائزية بمنطقة القرن الإفريقي في المقابر التي تم العثور عليها في الصومال والتي يرجع تاريخها إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد. كما تعد الأدوات البدائية التي تم استخراجها من موقع "جليلو" الأثري شمال الصومال أهم حلقات الوصل فيما يتعلق بالاتصال بين الشرق والغرب خلال القرون الأولى من نشأة الإنسان البدائي على وجه الأرض.
العصر القديم
من الأمور الدالة على قيام حضارة متطورة نشأت وترعرعت على أراضي شبه الجزيرة الصومالية آثار متناثرة على جنبات أراضي الصومال مثل المباني هرمية الشكل ومقابر وأطلال مدن قديمة بجانب بقايا الأسوار التي كانت تحيط بالمدن مثل "سور ورجادي" الذي يرتفع لمسافة 230 متراً.[30] وقد أثبتت الحفريات التي قامت بها البعثات الأثرية المتعاقبة على وجود نظام كتابة لتلك الحضارة لم يتم فهم رموزه أو فك طلاسمه حتى الآن كما تمتعت تلك الحضارة الناشئة على أرض الصومال بعلاقات تجارية وطيدة مع مصر القديمة والحضارة المايسونية القديمة باليونان بداية من الألفية الثانية قبل الميلاد على أقل تقدير مما يرجح النظرية المؤيدة لكون الصومال هي نفسها مملكة بونت القديمة.
و لم يتاجر البونتيون في منتجاتهم وحدهم فحسب، فإلى جانب تجارتهم في البخور وخشب الأبنوس والماشية، تاجروا أيضاً في منتجات المناطق المجاورة لهم مثل الذهب والعاج وجلود الحيوانات.ووفقا للنقوش الموجودة على معبد الدير البحري فقد كان يحكم مملكة البونت في ذلك الوقت كلاً من الملك باراحو والملكة أتي. وقد تمكن الصوماليون القدماء من استئناس الجمال العربية في الفترة ما بين الألفية الثالثة والألفية الثانية قبل الميلاد، ومن هناك تحديداً عرفت مصر القديمة وشمال إفريقيا استئناس هذا الحيوان. وفي أزمنة متعاقبة تمكنت العديد من المدن والدويلات الصومالية أمثال: رأس قصير وحافون ومالاو وتاباي من تكوين شبكات تجارية قوية مع باقي التجار من فينيقيا ومصر البطلمية والأغريق وإيران البارثية ومملكة سبأ ومملكة الأنباط والإمبراطورية الرومانية القديمة. وقد استخدم تجار تلك الممالك الحاويات الصومالية المعروفة باسم "البيدن" لنقل بضائعهم. وبعد غزو الرومان لإمبراطورية الأنباط وتواجد القوات الرومانية في مدينة عدن ومرابطة السفن الحربية في خليج عدن لمواجهة القرصنة وتأمين الطرق التجارية الرومانية، عقد العرب والصوماليون الاتفاقيات فيما بينهما لمنع السفن الهندية من التجارة أو الرسو في موانئ شبه الجزيرة العربية وذلك لقربها من التواجد الروماني، إلا أنه كان يسمح لها، أي السفن الهندية، بالرسو والإتجار في الموانئ المنتشرة في شبه جزيرة الصومال والتي كانت تخلو تماماً من أي تواجد للقوات الرومانية أو الجواسيس الرومان. ويرجع السبب في منع السفن الهندية من الرسو في الموانئ العربية الغنية، من أجل حماية وتغطية الصفقات التجارية التي كان يعقدها التجار العرب والصوماليون خفية بعيداً عن أعين الرومان على جانبي ساحل البحر الأحمر وساحل البحر المتوسط الغنيين بالموارد التجارية. ولقرون طويلة قام التجار الهنود بتمويل أقرانهم في الصومال وشبه الجزيرة العربية بكمات كبيرة من القرفة التي يجلبونها من سيلان والشرق الأقصى، والذي كان يعد أكبر الأسرار التجارية بين التجار العرب والصوماليين في تجارتهم الناجحة مع كل من الرومان والأغريق حيث ظن الرومان والأغريق قديما أن مصدر القرفة الرئيسي يأتي من الصومال إلا أن الحقيقة الثابتة كانت أن أجود محاصيل القرفة كانت تأتي للصومال عن طريق السفن الهندية. وعن طريق التجار العرب والصوماليين عرفت القرفة الهندية والصينية طريقها إلى شمال إفريقيا والشرق الأدنى وأوروبا حيث كانوا يصدرون محصول القرفة بأسعار مرتفعة للغاية مقارنة بتكلفة استيرادها مما جعل تجارة القرفة في ذلك العصر أحد أهم المصادر لموارد تجارية لا تنضب خاصة بالنسبة للصوماليين الذين قاموا بتوريد كميات كبيرة من المحصول لباقي دول العالم معتمدين في ذلك على الطرق البرية والبحرية القديمة التي تربطهم بالأسواق التجارية الأخرى في ذلك الوقت.
بشائر الإسلام والعصور الوسطى
يمتد تاريخ الإسلام في القرن الإفريقي إلى اللحظات الأولى لميلاد الدين الجديد في شبه الجزيرة العربية. فاتصال المسلمين بهذه المنطقة من العالم بدأ عند هجرة المسلمين الأولى فراراً من بطش قريش، وذلك عندما حطوا رحالهم في ميناء زيلع الموجود بشمال الأراضي الصومالية الآن والذي كان تابعاً لمملكة أكسوم الحبشية في ذلك الوقت طلباً لحماية نجاشي الحبشة "أصحمة بن أبحر". أمن النجاشي المسلمين على أرواحهم وأعطاهم حرية البقاء في بلاده، فبقي منهم من بقي في شتى أنحاء القرن الإفريقي عاملاً على نشر الدين الإسلامي هناك.
كان لانتصار المسلمين على قريش في القرن السابع الميلادي أكبر الأثر على التجار والبحارة الصوماليين حيث اعتنق أقرانهم من العرب الدين الإسلامي ودخل أغلبهم فيه كما بقيت طرق التجارة الرئيسية بالبحرين الأحمر والمتوسط تحت تصرف الخلافة الإسلامية فيما بعد. وانتشر الإسلام بين الصوماليين عن طريق التجارة. كما أدى عدم استقرار الأوضاع السياسية وكثرة المؤامرات في الفترة التي تلت عهد الخلفاء الراشدين من تصارع على الحكم إلى نزوح أعدادٍ كبيرة من مسلمي شبه الجزيرة العربية إلى المدن الساحلية الصومالية مما اعتبر واحداً من أهم العناصر التي أدت لنشر الإسلام في منطقة شبه جزيرة الصومال.
وأصبحت مقديشيو منارة للإسلام على الساحل الشرقي لإفريقيا، كما قام التجار الصوماليون بإقامة مستعمرة في موزمبيق لاستخراج الذهب من مناجم مملكة موتابا وتحديدا من مدينة سوفالا التي كانت الميناء الأساسي للمملكة في ذلك الوقت. وفي تلك الأثناء كانت بذور سلطنة عدل قد بدأت في إنبات جذورها حيث لم تعدو في تلك الأثناء عن كونها مجتمع تجاري صغير أنشأه التجار الصوماليون الذين دخلوا حديثا في الإسلام.
وعلى مدار مائة عام أمتدت من سنة 1150 وحتى سنة 1250 لعبت الصومال دورا بالغ الأهمية والمحورية في التاريخ الإسلامي ووضع الإسلام عامة في هذه المنطقة من العالم. حيث أشار كلا من المؤرخين ياقوت الحموي وعلي بن موسى بن سعيد المغربي في كتاباتيهما إلى أن الصوماليون في هذه الأثناء كانوا من أغنى الأمم الإسلامية في تلك الفترة. حيث أصبحت سلطنة عدل من أهم مراكز التجارة في ذلك الوقت وكونت إمبراطورية شاسعة امتدت من رأس قصير عند مضيق باب المندب وحتى منطقة هاديا بإثيوبيا. حتى وقعت سلطنة عدل تحت حكم سلطنة إيفات الإسلامية الناشئة والتي بسطت ملكها على العديد من مناطق إثيوبيا والصومال، وأكملت سلطنة عدل، التي أصبحت مملكة عدل بعد وصول مد سلطنة إيفات إليها، أكملت نهضتها الاقتصادية والحضارية تحت مظلة سلطنة إيفات.
واتخذت سلطنة إيفات من مدينة زيلع عاصمة لها ومنها انطلقت جيوش إيفات لغزو مملكة شيوا الحبشية المسيحية القديمة عام 1270. وأدت هذه الواقعة إلى نشوب عداوة كبيرة وصراع على بسط السلطة والنفوذ ومعارك مع محاولات توسعية شديدة الكراهية بين البيت الملكي السليماني المسيحي وسلاطين سلطنة إيفات المسلمة مما أدى لوقوع العديد من الحروب بين الجانبين انتهت بهزيمة سلطنة إيفات ومقتل سلطانها آنذاك السلطان سعد الدين الثاني على يد الإمبراطور داوود الثاني إمبراطور الحبشة وتدمير مدينة زيلع على يد جيوش الحبشة عام 1403. وفي أعقاب هزيمتهم في الحرب، فر أفراد عائلة المهزوم إلى اليمن حيث استضافهم حاكم اليمن في ذلك الوقت الأمير زفير صلاح الدين الثاني حيث حاولوا جمع أشلاء جيوشهم ومناصريهم من أجل استرجاع أراضيهم لكن دون جدوى.
وفي عهد سلطنة عجوران في الفترة ما بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر للميلاد، أصبح للعديد من المدن الصومالية شأن عظيم خاصة مدن مقديشيو ومركا وباراوا وأبية والتي نمت موانئها نمواً واسعاً وأقامت علاقات تجارية وثيقة مع السفن القادمة من والمبحرة إلى شبه الجزيرة العربية والهند وفينيتيا[40] وفارس ومصر والبرتغال، كما امتدت علاقاتها التجارية لتشمل الصين أيضا في الشرق الأقصى. وعندما مر البحار البرتغالي الأشهر فاسكو دا جاما بمدينة مقديشيو خلال رحلاته البحرية الاستكشافية في القرن الخامس عشر، دونَ في ملحوظاته ما شاهده من ازدهار بجميع أرجاء المدينة واصفاً بيوتها بأنها مكونة من أربعة أو خمسة طوابق كما يوجد فيها العديد من القصور الكبيرة في وسطها إضافة للجوامع الكبرى ذات المآذن الأسطوانية الشكل.
و في القرن السادس عشر كتب ديوارت باربوسا، التاجر والكاتب البرتغالي الذي رافق ماجلان في أسفاره، عن مشاهداته في مقديشيو قائلاً أنه شاهد العديد من السفن التجارية القادمة من كامبايا الهندية محملة بالأقمشة والتوابل في الهند وذلك لبيعها في الميناء التجاري بمقديشيو مقابل منتجات صومالية أخرى مثل الذهب والشمع والعاج. كما أشار باربوسا أيضاً لتوافر اللحوم والقمح والشعير والجياد والفاكهة في الأسواق الساحلية مما كان يدر ربحاً وفيراً على التجار؛ كما كانت مقديشيو مركزاً لصناعات الغزل والنسيج حيث كانت تصدر نوعاً خاصاً من الأقمشة كان يطلق عليه "ثوب بنادير" للأسواق العربية خاصة في مصر وسوريا. علاوة على ذلك شكلت مقديشيو مع كل من مدينتي مركا وباراوا مناطق عبور للتجار السواحليين القادمين من مومباسا وماليندي في كينيا وتجارة الذهب من كيلوا في تنزانيا. كما كان تجار هرمز من اليهود يقومون بجلب منتجاتهم من المنسوجات الهندية والفاكهة إلى السواحل الصومالية لاستبدالها بالحبوب والأخشاب. كما أقيمت العلاقات التجارية مع سلطنة مالاكا، إحدى دول اتحاد ماليزيا الآن، في القرن الخامس عشر، وكانت السلع الأساسية التي قامت عليها التجارة بين البلدين هي الأقمشة والعنبر والخزف. كما صدرت الصومال الحيوانات الحية مثل الزراف وحمر الزرد لإمبراطورية مينج الصينية والتي اعتبرت التجار الصوماليين زعماء التجارة البحرية بين آسيا وإفريقيا، كما تأثرت اللغة الصينية باللغة الصومالية نتيجة لعمق العلاقة بين البلدين. من جهة أخرى، عمد التجار الهندوس من مدينة سورات الهندية والتجار القادمون من جزيرة باتي الكينية بجنوب شرق إفريقيا إلى الإتجار بموانئ باراوا ومركا الصوماليتين وذلك للإبتعاد عن الحصار البرتغالي والتدخل العماني في طرق التجارة البحرية إذ كان هذان الميناءان بعيدين تماماً عن سلطات كل من البرتغاليين والعمانيين.
بدايات العصر الحديث والتصارع من أجل إفريقيا
بدأت الممالك المتعاقبة بعد سلطنتي عدل وعجوران فيي الازدهار مع بدايات العصر الحديث. حيث نشأت العديد من الممالك في الصومال وكذلك ظهرت الأسر الحاكمة الواحدة تلو الأخرى؛ حيث ظهرت أسر مثل أسرة جيراد التي أسست سلطنة ورسنجلي، ولا تزال بقايا تلك الأسرة الحاكمة موجودة حتى يومنا هذا، إضافة إلى أسرة باري والتي أسست سلطنتها في منطقة باري شمال الصومال وكذلك أسرة جوبورون التي حكمت مناطق شاسعة في شرق إفريقيا في الفترة الممتدة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والتي وضع حجر الأساس لها القائد العسكري "إبراهيم أدير" والتي تنحدر أصوله من سلاطين سلطنة عجوران الزائلة. وقد سارت تلك السلاطين على نفس درب أسلافها من بناء القلاع والتوجه الكامل نحو إقامة إمبراطورية مبنية على أساس اقتصادي قائم على التجارة البحرية.
و قد بدأ السلطان يوسف محمود إبراهيم، ثالث سلاطين أسرة جوبورون الحاكمة، العصر الذهبي لأسرة جوبورون. حيث خرج جيشه منتصرا من معركة باردهير والمعروفة باسم "جهاد برداهير" في التاريخ الصومالي مما أعاد الاستقرار مجددا لمنطقة شرق إفريقيا وأنعش تجارة العاج في هذه المنطقة من جديد. كما أقام علاقات وطيدة مع ملوك وسلاطين الممالك المجاورة وعلى رأسهم عمان ومملكة الويتو بكينيا الحالية واليمن.
وقد خلفه في الحكم إبنه السلطان أحمد والذي كان واحداً من الرموز التاريخية بشرق إفريقيا خلال القرن التاسع عشر؛ حيث قام بتحصيل الجزية من سلاطين عمان كما قام بعقد التحالفات مع الممالك الإسلامية القوية القائمة على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية. وفي شمال الصومال قامت أسرة جيراد الحاكمة بإرساء قواعد سلطنة ورسنجلي وأقامت علاقات تجارية وطيدة مع اليمن وفارس كما تنافس تجارها مع أقرانهم التابعين لسلطنة باري. وكانت سلطنتا ورسنجلي وباري قد شيدتا العديد من القصور والقلاع والحصون الشاهقة التي ما تزال آثارها باقية حتى الأن كدليل مادي على شموخ الإمبراطوريتين القديمتين بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة في شتى المجالات التي أقامتهما هاتان المملكتان مع باقي ممالك الشرق الأدنى.
وفي أعقاب مؤتمر برلين أواخر القرن التاسع عشر بدأت القوى الاستعمارية الأوروبية العظمى اندفاعها للسيطرة على الأراضي البكر في إفريقيا وباقي مناطق العالم القديم والعالم الجديد التي لم تكن أيدي الاستعمار قد امتدت إليها بعد، مما دفع القائد العسكري محمد عبد الله حسان لحشد الحشود من شتى بقاع القرن الإفريقي وبداية حرب هي الأطول في تاريخ الحروب ضد الاستعمار. وكان حسان دائم الإشارة في خطبه وأشعاره إلى أن البريطانيين الكفرة "قاموا بتدمير ديننا وجعلوا من أبنائنا أبناءً لهم كما تآمر الأثيوبيون المسيحيون بمساعدة البريطانيين على نهب الحرية السياسية والدينية لأمة الصومال" مما جعله في وقت قصير بطلاً وطنياً ومدافعاً عن الحرية السياسية والدينية لبلاده ضد الحملات الصليبية الشرسة التي كانت تتعرض لها البلاد من جانب إثيوبيا وبريطانيا.
كما قام حسان بإصدار فتوى دينية بتكفير أي مواطن صومالي يرفض الوحدة التامة لأراضي الصومال والقتال تحت إمرته. وسرعان ما قام حسان باستقدام السلاح من تركيا والسودان وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، كما قام بتعيين العديد من المحافظين والمستشارين وولاهم حكم المدن والمقاطعات المختلفة في الصومال. كما قام بإشعال الشرارة الأولى لتوحيد واستقلال الصومال وذلك في إطار سعيه لتجميع وترتيب قواته لمواجهة خطر الاستعمار الداهم.
وكانت حركة حسان درويش حركة ذات طابع عسكري في الأساس، ثم أسس دولة الدراويش أو الدولة الدرويشية على النهج الصوفي متبعاً الطريقة الصالحية التي هي فرع من الطريقة الأحمدية، وقد تميزت دولته بالراديكالية المركزية والأسلوب الإداري الهرمي. وتمكن حسان من الوفاء بوعيده بإقصاء الهجمات المسيحية نحو البحر حينما تمكن من إجبار الجنود البريطانيين على التراجع نحو الشاطئ في بداية المعارك فتمكن من صد الغزو البريطاني بقوات قدرت بحوالي 1500 جندي مسلحين بالبنادق.
تمكن درويش من ردع البريطانيين وصد هجومهم أربع مرات متتالية، وأقام تحالفاً مع قوات المحور المتحالفة خلال الحرب العالمية الأولى خاصة الإمبراطورية الألمانية والدولة العثمانية التين أمدتاه بالسلاح لمقاومة الإنجليز، إلى أن جاءت نهاية أسطورة دولة الدراويش على يد القوات البريطانية عام 1920 بعد كفاح ضد الاحتلال دام لمدة ربع قرن عندما قامت القوات البريطانية باستخدام القاذفات لأول مرة على مسرح العمليات بإفريقيا وقامت بقصف العاصمة "تاليح" حتى دمرتها تدميراً كاملاً، ومن ثم تحولت دولة الدراويش وكل ما تبعها إلى محمية بريطانية. آثار مدينة تاليح، عاصمة دولة الدراويش.
ومع بروز الفاشية في إيطاليا أوائل عام 1920 تغيرت وجهة النظر نحو الصومال، حيث أجبرت الممالك الشمالية على الوحدة مع الصومال لتكوين "الصومال الأكبر" أو كما كان يطلق عليه (بالإيطالية: La Grande Somalia) وذلك وفقاً للخطة التي وضعتها إيطاليا لخدمة مصالحها في المنطقة. ومع وصول العسكري الإيطالي شيزاري ماريا دي فيتشي إلى الحكم في الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 1923، تغيرت الأمور بالنسبة للجزء المعروف من أراضي الصومال باسم "الصومال الإيطالي"، والذي خضع لسيطرة إيطاليا من خلال سلسلة من اتفاقيات الحماية المتعاقبة وليس الحكم المباشر، وكان ذلك خلال فترة الحرب العالمية الأولى في حين تمتعت الحكومة الفاشية بالحكم المباشر على مقاطعة بنادر فقط.
وفي عام 1935 قامت إيطاليا الفاشية تحت قيادة زعيمها بينيتو موسوليني بغزو الحبشة بغرض إقامة مستعمرة إيطالية هناك. وقد لاقى هذا الغزو إعتراضاً من عصبة الأمم، إلا أن رد الفعل تجاه الغزو الإيطالي لم يتعدَ مرحلة الإعتراض حيث لم تتخذ الهيئة الدولية أي قرار من شأنه وقف العدوان أو تحرير الأراضي الإثيوبية المحتلة. وفي الثالث من آب/أغسطس عام 1940 قامت القوات الإيطالية ومعها بعض الوحدات الصومالية بعبور الحدود الإثيوبية وشن هجوم بري على الصومال البريطاني وذلك خلال معارك شرق إفريقيا في الحرب العالمية الثانية، وبحلول الرابع عشر من آب/أغسطس من نفس العام تمكنت القوات الإيطالية من الاستيلاء على مدينة بربرة وسقط الصومال البريطاني بالكامل في أيدي القوات الإيطالية في السابع عشر من نفس الشهر.
وفي كانون الثاني/يناير من عام 1941 قامت القوات البريطانية مدعومة بقوات من باقي المستعمرات البريطانية في إفريقيا بشن هجوم بري من كينيا لاسترجاع الصومال البريطاني وتحرير المناطق المحتلة من إثيوبيا والقضاء على القوات الإيطالية المتمركزة في الصومال الإيطالي. وبحلول شهر شباط/فبراير وقعت أغلب مناطق الصومال الإيطالي في أيدي القوات البريطانية وبحلول شهر آذار/مارس من العام نفسه استطاعت القوات البريطانية استرجاع الصومال البريطاني بالكامل عن طريق البحر. وتركت الإمبراطورية البريطانية قوات عاملة من اتحاد جنوب إفريقيا (جنوب إفريقيا حاليا) وشرق إفريقيا البريطاني (كينيا حاليا) وغرب إفريقيا البريطاني (وهي دول نيجيريا وغانا وسيراليون وغامبيا الحالية). وكانت تلك القوات البريطانية مدعومة من قوات صومالية تحت قيادة "عبد الله حسان" وتضم صوماليين من عدة قبائل مثل إسحاق وضولباهانت وورسنجالي. وبنهاية الحرب العالمية الثانية أخذ حجم التواجد الإيطالي بمنطقة القرن الإفريقي بالتضاؤل حتى بلغ 10,000 فرد فقط بحلول عام 1960.
دولة الصومال
في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبالرغم من مساعدة الصوماليين للحلفاء أبقت بريطانيا على سيطرتها على شطري الصومال البريطاني والإيطالي، كمحميتين بريطانيتين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1949 منحت الأمم المتحدة إيطاليا حق الوصاية على الصومال الإيطالي ولكن تحت رقابة دولية مشددة بشرط حصول الصومال الإيطالي على الاستقلال التام في غضون عشر سنوات فقط؛ في حين بقي الصومال البريطاني محمية بريطانية حتى عام 1960. و بالرغم من سيطرة إيطاليا على منطقة الصومال الإيطالي بتفويض من الأمم المتحدة، إلا أن هذه الفترة من الوصاية على الحكم أعطت الصوماليين الخبرات اللازمة والتثقيف السياسي والقدرة على الحكم الذاتي وهي المزايا التي افتقدها الصومال البريطاني الذي كان مقدراً له الوحدة مع الشطر الإيطالي من الصومال لتكوين دولة موحدة. وبالرغم من محاولات المسؤولين عن المستعمرات البريطانية خلال منتصف العقد الخامس من القرن الماضي لإزالة حالة التجاهل التي عانت منها المستعمرات البريطانية في إفريقيا من قبل السلطات الإنجليزية إلا أن جميع تلك المحاولات بائت بالفشل وبقيت المستعمرات البريطانية عامة والصومال البريطاني خاصة في نفس حالة الركود السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما كان عاملاً مؤثراً في وجود العديد من العقبات الصعبة التي ظهرت عندما حان الوقت لدمج شطري البلاد في كيان سياسي واحد.
وفي غضون تلك الأحداث كلها، قامت بريطانيا تحت ضغط من حلفائها في الحرب العالمية الثانيةبإعطاء منطقة الحوض، وهي أحد مناطق الرعي الصومالية الهامة وكانت محمية بموجب اتفاقيات وقعتها بريطانيا مع الجانب الصومالي خلال عامي 1884 و1886، وأقليم أوغادين الذي تقطنه أغلبية صومالية إلى إثيوبيا وذلك بموجب اتفاقيات أخرى وقعتها الإمبراطورية البريطانية عام 1897 تقضي بمنح المقاطعات الصومالية إلى الإمبراطور الإثيوبي مينليك الثاني وذلك نظير مساعدته للقوات البريطانية على القضاء على مقاومة العشائر الصومالية في بداية الحرب العالمية الأولى. وبالرغم من إضافة بريطانيا لشروط تقضي بمنح القبائل الرعوية الصومالية المقيمة في المناطق الممنوحة للسلطات الإثيوبية الحكم الذاتي إلا أن أثيوبيا سرعان ما أعلنت سيطرتها على تلك القبائل، وفي محاولة منها لتدارك الموقف عرضت بريطانيا على أثيوبيا في عام 1956 شراء الأراضي التي كانت قد منحتها إليها سابقاً إلا ان العرض البريطاني قوبل بالرفض شكلاً وموضوعاً من جانب السلطات الأثيوبية. وكذلك وفي نفس السياق، منحت بريطانيا حق السيطرة على المحافظة الحدودية الشمالية (بالإنجليزية: Northern Frontier District) والتي تسكنها أغلبية صومالية مطلقة لكينيا متجاهلة بذلك استفتاءً كان قد جرى مسبقاً في الإقليم يؤكد على رغبة أبنائه في الانضمام إلى الجمهورية الصومالية الحديثة.
وفي عام 1958، أقيم في جيبوتي المجاورة، والتي كانت تعرف باسم الصومال الفرنسي في ذلك الوقت، استفتاء لتقرير المصير حول الإنضمام إلى دولة الصومال أو البقاء تحت الحماية الفرنسية، وجاءت نتيجة الاستفتاء برغبة الشعب في البقاء تحت الحماية الفرنسية. ويرجع السبب في خروج نتيجة الاستفتاء بهذا الشكل تأييد عشيرة عفار التي تكون غالبية النسيج السكاني لجيبوتي، للبقاء تحت الحماية الفرنسية وكذلك أصوات السكان الأوروبيين الذين تواجدوا في تلك المنطقة خلال فترة الحماية الفرنسية. أما باقي الأصوات التي صوتت ضد البقاء تحت السيادة الفرنسية فكانت من أبناء الصومال الراغبين في تحقيق وحدة كبرى للأراضي الصومالية المتفرقة وعلى رأسهم "محمود فرح الحربي" رئيس وزراء ونائب رئيس مجلس حكم الصومال الفرنسي، وهو صومالي الأصل من عشيرة عيسى، إلا أن حربي قتل بعد الاستفتاء بعامين في حادث تحطم طائرة. ونالت جيبوتي بعد ذلك استقلالها عن فرنسا في عام 1977 وأصبح حسن جوليد أبتيدون، وهو صومالي مدعوم من فرنسا، أول رئيس لجمهورية جيبوتي والذي بقى في الحكم منذ عام 1977 وحتى عام 1991.
وفي السادس والعشرين من حزيران/يونيو عام 1960 أعلن رسمياً استقلال الصومال البريطاني عن المملكة المتحدة أعقبه بخمسة أيام استقلال الصومال الإيطالي،[60] وفي نفس اليوم أعلن رسمياً قيام دولة الصومال الموحدة بشطريها البريطاني والإيطالي وإن كانت بحدود قامت كل من بريطانيا وإيطاليا بترسيمها. وقام عبد الله عيسى محمد، رئيس وزراء الصومال تحت الاحتلال البريطاني في الفترة ما بين سنة 1956 وحتى عام 1960،[61][62][63] بتشكيل أول حكومة صومالية وطنية حيث اختار عدن عبد الله عثمان دار أول رئيساً للصومال ومعه[64][65][66] عبد الرشيد علي شارماركي كأول رئيس للوزراء، والذي أصبح رئيساً فيما بعد في الفترة بين سنة 1967 وحتى عام 1969. وفي العشرين من تموز/يوليو عام 1961 أقيم اقتراع شعبي حول الدستور الصومالي الجديد والذي وافق عليه الشعب بالإجماع وكانت أول مسودة لهذا الدستور قد وضعت عام 1960.
استمرت الصراعات القبلية والخلافات بين العشائر الصومالية منذ اللحظات الأولى للوحدة نتيجة للآثار التي تركتها دول الاستعمار في نفوس أبناء الشعب الواحد والفرقة التي عانى منها الشعب الصومالي طوال فترة الاستعمار. وفي عام 1967 أصبح محمد الحاج إبراهيم إيجال رئيساً للوزراء وهو المنصب الذي اختاره فيه عبد الرشيد شارماركي والذي كان رئيسا للبلاد في ذلك الوقت. وفيما بعد أصبح إيجال رئيسا لجمهورية أرض الصومال والواقعة في الشمال الشرقي للصومال والمستقلة بشكل أحادي الجانب والتي تفتقر للاعتراف الدولي بها.
وبعد اغتيال الرئيس عبد الرشيد شارماركي أواخر عام 1969 تولت مقاليد البلاد حكومة عسكرية وصلت للسلطة خلال انقلاب عسكري قاده كل من اللواء صلاد جبيري خيديي والفريق محمد سياد بري وقائد الشرطة جامع قورشيل تولى خلاله باري رئاسة البلاد في حين أصبح قورشيل رئيسا للوزراء. وأقام الجيش الثوري برامج تشغيل واسعة النطاق لتشغيل الأفراد كما أطلق حملات ناجحة لمكافحة الأمية بالبلاد في المناطق المأهولة بالسكان والمناطق النائية على حد سواء وكان لهذه الإجراءات أثر فعال في الارتقاء بمستوى إجادة القراءة والكتابة بشكل ملحوظ، حيث ارتفع نسبة إجادة القراءة والكتابة بين الصوماليين من 5% إلى 55% بحلول منتصف العقد الثامن من القرن الماضي. وبالرغم من هذا استمرت الاضطرابات في عصر باري والصراعات على السلطة الأمر الذي دفعه لاغتيال ثلاثة من وزرائه دفعة واحدة كان على رأسهم اللواء جبيري نفسه.
وتجلت ديكتاتورية الحكومة العسكرية الصومالية في تموز/يوليو من عام 1976 وذلك بإنشاء الحزب الاشتراكي الثوري (بالصومالية: Xisbiga Hantiwadaagga Kacaanka Soomaaliyeed) والذي ظل مسيطراً على مقاليد الحكم منذ نشأته وحتى سقوط الحكومة العسكرية في الفترة ما بين كانون الأول/ديسمبر عام 1990 وكانون الثاني/يناير عام 1991، حيث أزيح الحزب عن الحكم بالقوة من جانب الجبهة الديموقراطية لإنقاذ الصومال (بالصومالية: Jabhadda Diimuqraadiga Badbaadinta Soomaaliyeed) والمؤتمر الصومالي الموحد ((بالإنجليزية: United Somali Congress)) والحركة الوطنية الصومالية (بالصومالية: Dhaq dhaqaaqa wadaniga soomaliyeed) والحركة الوطنية الصومالية (بالإنجليزية: Somali Patriotic Movement) إضافة لأحزاب المعارضة المناهضة للعنف مثل الحركة الديموقراطية الصومالية (بالإنجليزية: Somali Democratic Movement) والتحالف الديموقراطي الصومالي (بالإنجليزية: Somali Democratic Alliance) وأخيراً المجموعة البيانية الصومالية (بالإنجليزية: Somali Manifesto Group).
وخلال عامي 1977 و1978 قامت الصومال بغزو إثيوبيا خلال حرب أوغادين والتي سعت القوات الصومالية من خلالها لتوحيد الأراضي الصومالية التي مزقتها قوى الاستعمار الزائلة وقامت بمنح أجزاء منها لدول أخرى دون وجه حق، وكذلك منح حق تقرير المصير للمجموعات العرقية الصومالية القاطنة في تلك المناطق. في البداية، سلكت الصومال الطرق الدبلوماسية مع كلا من إثيوبيا وكينيا لإيجاد حل سلمي للقضايا العالقة بين الطرفين إلا أن كل الجهود الدبلوماسية الصومالية باءت بالفشل. فقام الصومال، والذي كان يستعد فعلياً للحرب في نفس الوقت الذي جرب فيه الحل الدبلوماسي، بإنشاء الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين (بالصومالية: Jabhadda Wadaniga Xoreynta Ogaadeenya) والتي أطلق عليها فيما بعد جبهة تحرير الصومال الغربي (بالإنجليزية: Western Somali Liberation Front)، وسعت للتحرك نحو استرجاع أقليم أوغادين بالقوة. وتحرك الصومال بشكل منفرد دون الرجوع للمجتمع الدولي الرافض عامة لإعادة ترسيم الحدود التي خلفها الاستعمار، في حين رفض الاتحاد السوفيتي ومن ورائه دول حلف وارسو مساعدة الصومال، بل على العكس قاموا بدعم حكومة إثيوبيا الشيوعية. وفي الوقت نفسه حاول الاتحاد السوفييتي الذي كان مزوداً للسلاح للجانبين لعب دور الوسيط لإيجاد فرصة لوقف إطلاق النيران بين الدولتين.
خلال الأسبوع الأول من المعارك استطاع الجيش الصومالي بسط سيطرته على وسط وجنوب الإقليم، وعلى مدار الحرب قام الجيش الصومالي بتحقيق الانتصارات على الجيش الإثيوبي الواحد تلو الأخر وتعقب فلول الجيش الإثيوبي المنسحبة حتى مقاطعة سيدامو الإثيوبية. وبحلول أيلول/سبتمبر من عام 1977 تمكنت الصومال من السيطرة على قرابة 90% من الإقليم كما نجحت في الاستيلاء على المدن الاستراتيجية الهامة مثل مدينة جيجيجا كما قامت بضرب حصار خانق حول مدينة ديرة داوا مما أصاب حركة القطارات من المدينة إلى جيبوتي بالشلل. وبعد حصار مدينه هرار قام الاتحاد السوفيتي بتوجيه دعم عسكري لم تشهده منطقة القرن الإفريقي من قبل لحكومة إثيوبيا الشيوعية تمثل في 18,000 من الجنود الكوبيين و 2,000 من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بالإضافة إلى 1,500 من الخبراء العسكريين السوفييت تدعمهم المدرعات والمركبات والطائرات السوفيتية. وفي مواجهة تلك القوة الهائلة أجبر الجيش الصومالي على الانسحاب وطلب المساعدة من الولايات المتحدة. وبالرغم من إبداء نظام جيمي كارتر استعداده لمساعدة الصومال خلال الحرب في بادئ الأمر إلا أن تدخل السوفييت السريع لإنقاذ إثيوبيا حال دون ذلك خشية توتر العلاقات أكثر فأكثر بين القوتين العظيمتين، ومع تراجع الولايات المتحدة عن مساعدة الصومال تراجع كذلك حلفاؤها من الشرق الأوسط وأسيا. الصداقة الصومالية السوفيتية مكنت الصومال من اٍمتلاك أكبر قوات مدرعة جنوب الصحراء الكبرى. وبحلول عام 1978، بدأت الحكومة الصومالية بالتداعي وفقدان السيطرة الفعلية على مقاليد الأمور. كما بدت غالبية الشعب الصومالي غائبة في حالة من اليأس العام نتيجة الوقوع تحت الحكم العسكري الديكتاتوري لفترة طويلة من الزمان دون تحقيق انجازات فعلية على الأرض، كما ساعد اقتراب نهاية الحرب الباردة على إضعاف النظام أكثر فأكثر نتيجة لتضاؤل الأهمية الاستراتيجية للصومال. مما دفع الحكومة لانتهاج طرق أكثر شمولية كما زادت حركات المقاومة المسلحة والتي كانت تدعمها إثيوبيا ضد النظام الحاكم مما أدى إلى نشوب الحرب الأهلية الصومالية.
وفي عام 1990 صدر قانون يحظر على الصوماليين من ساكني العاصمة مقديشيو التواجد في جماعات أكثر من ثلاثة أو أربعة أفراد وإلا اعتبر تجمهراً يعاقب عليه القانون. كما ضربت جميع أنحاء الدولة أزمة شديدة تمثلت في نقص حاد للوقود أدت إلى تعطل وسائل المواصلات العامة مما أثر بشكل عام على أداء المصالح الحكومية والقطاعين العام والخاص. كما أدت أزمة التضخم التي عانت منها البلاد إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار وعدم قدرة المواطنين على الحصول على السلع الأساسية حيث وصل سعر المعكرونة الإيطالية العادية في ذلك الوقت إلى خمسة دولارات أمريكية للكيلو. كما وصل سعر لفافة القات التي تجلب يومياً من كينيا إلى خمسة دولارات أمريكية للفافة التقليدية. وبدأت القيمة النقدية للعملة الصومالية بالتضاؤل حتى أصبحت شوارع العاصمة مقديشيو مغطاة بالعملات المعدنية صغيرة الفئة وذلك بعد أن فضل حاملوها التخلص منها بدلاً من عناء الاحتفاظ بها إذ أصبحت عديمة الفائدة ودون قيمة فعلية تذكر. كما ظهرت سوق سوداء رائجة في وسط العاصمة للإتجار في العملة وذلك لعدم وجود السيولة النقدية الكافية لتغيير العملات الأجنبية بما يوازيها من الشلن الصومالي. كما أصبح الظلام الحالك الذي يلف أرجاء المدينة بحلول المساء من المشاهد الطبيعية في مقديشيو وذلك بعد أن قامت الحكومة الصومالية ببيع المولدات الكهربائية المغذية للعاصمة. كما خضع كل الأجانب المتواجدين في المدينة لأي غرض كان لرقابة مشددة طوال فترة بقائهم في الصومال. كما قامت الحكومة بإصدار حزمة من القرارات الصارمة لتنظيم حركة استبدال العملات الأجنبية وذلك لمنع تصدير، أو بالأحرى تهريب، العملات الأجنبية خارج أرجاء الصومال. حيث كان محظوراً التعامل أو الاحتفاظ بالعملات الأجنبية خارج نطاق البنوك الحكومية أو الفنادق الثلاثة التي تديرها الحكومة. كما كان محظوراً التقاط الصور في العديد من الأماكن بالرغم من عدم وجود أي محظورات واضحة تخص سفر أو إقامة الأجانب. وكانت من أهم الأحداث المعتادة أيضاً عمليات الاختطاف المنظمة أثناء الليل والتي تقوم بها الجهات الحكومية ضد المعارضين والتي وصلت إلى حد اختطاف الأفراد من منازلهم، على الرغم من أن مشاهدة أي تواجد عسكري بمقديشيو أثناء النهار كان من أكثر الأمور ندرة على الإطلاق.