الأوسمة والميداليات التى حصل عليها رفيق الحريرى
وسام جوقة الشرف الفرنسية من رتبة فارس 1981
وسام الاستحقاق الإيطالي من رتبة فارس 1982
وسام الأرز اللبناني من رتبة كومندور 1983
وسام القديس بطرس والقديس بولس 1982
وشاح الملك فيصل 1983
وسام خوسيه سان مارتين من الأرجنتين 1995
ميدالية مدينة باريس 1983
المفتاح الذهبي لمدينة بيروت 1983
المفتاح الذهبي لمدينة سان باولو 1995
جائزة الصليب الأكبر الفرنسي 1996
الوشاح الأكبر الكوري1997
القلادة الكبرى المغربية 1997
مجموعة الحريري
تملك مجموعة الحريري عقارات وأراضي في واشنطن وبوسطن وتكساس ونيويورك ومعظم أسهم مبنى (تكساس تاور في هيوستن). وعلاوة على ذلك تمتلك المجموعة مزرعة كبيرة في زيمبابوي. وتقدّر ثروة الرئيس الحريري ما بين أربعة وستة مليارات دولار، وتحت تصرّفه طائرة خاصة ويخت كبير.
التقديرات العلمية
دكتوراه فخرية من جامعة جورجتاون (1996).
وسام العلوم الشرف من جامعة بوسطن (1986).
دكتوراه فخرية من جامعة بوسطن (1986).
دكتوراه فخرية من جامعة نيس (1988).
دكتوراه فخرية من جامعة بيروت العربية (1994).
دكتوراه فخرية من جامعة جورجتاون (1996).
يملك الرئيس الحريري (مجموعة ميغ) التي تستخدم نحو 15 ألف موظف وتضم المؤسسات التالية:
* بنك البحر المتوسط.
* البنك السعودي اللبناني.
* الشركة العربية العالمية للتأمين وإعادة التأمين.
* الشركة المتحدة للإعلان والنشر والطباعة.
* شركة الخدمات والمعلوماتية.
* شركة المصنوعات الخفيفة.
* شركة (الحاسب).
* مجموعة البحر المتوسط للخدمات.
أهم المشاريع التي نفذتها (سعودي أوجيه)
* فندق أنتركونتيننتال في مكة المكرمة.
* مركز الشروق الحكومي في الظهران.
* مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة.
* المركز الحكومي في الرياض (بلغت تكلفته 3 مليارات ريال).
* مشروع (ألفا) في الرياض الذي يضمّ مجلس الشورى والديوان الملكي.
* فندق (المسرة الدولي) في الطائف.
* المدينة الحكومية في الدمام.
* قصر الأمويين في دمشق.
الجوائز
* جائزة الخدمات المميزة من اتحاد غوث الأطفال 1983
* جائزة رجل السلام التي تمنحها مؤسسة (معاً من أجل السلام) الإيطالية
لم تمهله الحياة طويلاً بعدما أعطته كثيراً
غدرت به مصائره الفاجعة أخيراً وهو في ذروة العمر؛ فقد خانته أيامه وهو ما زال يطارد أوهاماً في بلد مسيّج بالوهم والكراهية.
لم يمهله الذين يريدون سوءاً بلبنان، بهويته العربية وبسلمه الأهلي وبدوره المفتقد فخططوا لاغتياله، واغتالوا معه آمالاً عريضة كان يعلقها اللبنانيون عليه.
إنها مجرد ستين عاماً فقط أمضاها رفيق الحريري وهو يصارع أقداره بصبر عجيب وبلا توقف أو مهادنة.
منذ البدايات الأولى كان مرصوداً لمواجهة قسوة العيش ومرارة الزمان، وكأنه كان منذوراً أيضاً لسباقات لا تنتهي، وطالما فاز دوماً في نهاياتها الحاسمة إلا هذه المرة، فقد خذلته النهايات، وتغلب مغتالو الآمال عليه، وانتهت اللعبة الفاجعة.
عاش طفولته في عائلة بسيطة مثل معظم عائلات صيدا؛ فلم تكن عائلته تمتلك ثلاجة أو غسالة أو موقد بوتوغاز أو غرفة طعام. وكان يعمل في عطلاته المدرسية في قطاف الحمضيات في بساتين صيدا، ثم في قطاف التفاح في سهل البقاع بعد نهاية موسم الحمضيات. وعلى الرغم من ذلك، فقد أنهى المرحلة الابتدائية في مدرسة فيصل الأول المجانية التابعة لجمعية المقاصد الإسلامية في صيدا، وتابع دروسه الثانوية في ثانوية المقاصد أيضا، ونال التوجيهية المصرية في سنة 1964. ثم التحق، مثل معظم أبناء الفئات (المستورة)،بكلية التجارة في جامعة بيروت العربية سنة 1965، وراح يعمل، في أثناء دراسته، محاسبا في (دار الصياد) نهارا، ومصححا في جريدة (الأنوار) ليلاً ليتمكن من إعالة نفسه.
لم يكن رفيق الحريري مجرد طالب مجتهد منكب على دراسته فحسب، بل انه، فوق ذلك، كان ناشطا في الشأن السياسي وفي المجال القومي بالتحديد، فانتمى الى حركة القوميين العرب وناضل في صفوفها، ونفذ مهمات حزبية شتى بين لبنان وسوريا. ومع هذا فإن تطلعاته السياسية لم تصرفه عن التطلع الى تحسين أحواله المالية. وعندما لاحت له فرصة السفر الى المملكة العربية السعودية أقدم ولم يتردد. وفي مدينة جدة عمل معلماً للرياضيات في (ليسيه جدة)، غير أنه لم يلبث أن انتقل الى مؤسسة ناصر الرشيد ليعمل مدققا للحسابات، ثم عمل محاسبا أيضاً لدى شركة نقولا عيسى عكاوي.
تعرّف رفيق الحريري الى عالم المقاولات والأسواق على يدي الفلسطيني زين مياسي الذي عمل في إحدى مؤسساته في الرياض خمس سنوات. وما ان تكشفت له أسرار عالم المقاولات حتى أدار ظهره للمحاسبة، وشرع في الاستعداد لتأسيس شركة خاصة له. وفي سنة 1971 نجح في تأسيس هذه الشركة التي أسماها (سيكونيست). وتمكنت شركته في سنة 1977 من الاشتراك مع شركة فرنسية تدعى (أوجيه) في بناء قصر المؤتمرات في الطائف مع ملحقاته الملكية، وفندق درجة أولى وسائر الخدمات خلال تسعة أشهر فقط. وبعد هذا النجاح جرى دمج شركة (سيكونيست) وشركة (أوجيه) في سنة 1979، وصار اسمها (سعودي أوجيه) وامتلك الرئيس الحريري أسهم الشركة الجديدة بالكامل.
حتى سنة 1978 لم يكن لرفيق الحريري أي حضور سياسي في لبنان. ولعل أول ظهور له في هذا الحقل كان سنة 1980 حينما أنشأ المجمع الثقافي والطبي في منطقة كفرفالوس القريبة من صيدا. وهذا المجمع، الذي كان يتألف من مستشفى وكلية للطب وكلية للهندسة ومدرسة مهنية وثانوية ومجمع رياضي كبير، دمرته ميليشيات جيش لبنان الجنوبي في الحرب التي عصفت بتلك المنطقة بعدما رفض المساومة مع (القوات اللبنانية) على استنقاذها مقابل صمته عن الاحتلال.
على أن الظهور السياسي الفعلي لرفيق الحريري بدأ عقب انتهاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في سنة 1982، فوضع إمكانات شركاته كلها في تصرف الدولة اللبنانية، بل انه بادر الى تأسيس شركة (أوجيه لبنان) التي نفذت عملية شاقة وشاملة لإزالة الركام الذي خلفه الاجتياح الإسرائيلي في بيروت وصيدا، وعمدت إلى تنظيف العاصمة وتأهيلها مجددا وبناء أرصفتها وإصلاح شبكات الماء والكهرباء والهاتف، وإنارة الشوارع، ثم قامت بعملية تحديث وتجميل شاملة لمدينة صيدا، وتولت أيضا تأهيل مدينة طرابلس بعد الدمار الذي أصابها في سنة 1983.
إلى جانب هذا الجهد التنموي مارس رفيق الحريري نشاطا سياسيا فاعلا على صعيد الوساطة الإيجابية بين الرئيس أمين الجميل والحركة الوطنية اللبنانية عبر سوريا. وكان أول (ظهوره السياسي) الى جانب الأمير بندر بن سلطان في دمشق، التي طالما انتقل إليها من قبرص وتنقل مرات عدة بالهليكوبتر بين دمشق والقصر الجمهوري اللبناني. وفي هذا السياق كان للحريري شأن مهم في إقناع أمين الجميل بإلغاء اتفاق 17 أيار 1983.
وحينما حصل من الرئيس الجميل على وثيقة بهذا الشأن بادر، مع جان عبيد، الى السفر الى دمشق عن طرق غير مألوفة، تحاشياً للمطاردة التي توقعاها والتي حصلت فعلا من دون أن توفق في (اصطيادهما)، وهكذا قدما للمسؤولين السوريين تلك الوثيقة التي تقرر، في أثرها، عقد مؤتمر جنيف في نهاية سنة 1983 الذي حسم إلغاء اتفاق 17 أيار، وأكد عروبة لبنان. ثم ان الحريري كان أحد مهندسي مؤتمر لوزان في سنة 1984 أيضا.
ومنذ ذلك الوقت فصاعدا بات الحريري واحدا من صناع القرار السياسي في لبنان من خلال علاقته بقادة العمل الوطني عموما، من دون القطع مع أركان السلطة التي سرعان ما دخلها هؤلاء... على أن الدور الأبرز للحريري هو ما صنعه مع الأخضر الإبراهيمي حينما وقع الفراغ السياسي غداة نهاية ولاية أمين الجميل؛ وهنا بالتحديد كان للحريري شأن مهم جدا في عقد مؤتمر الطائف في سنة 1989 الذي أنهى، تقريبا، الصراع اللبناني المسلح، وأدى إلى انتخاب رينيه معوض رئيسا للجمهورية اللبنانية. وحينما اغتيل رينيه معوض في 22/11/1989 بادر، على الفور، إلى استضافة عدد كبير من النواب اللبنانيين في فرنسا، وساهم في انتخاب الرئيس الياس الهراوي وقدم له مقرا مؤقتا في منطقة الرملة البيضاء، وبدأ بإمداد الجيش اللبناني بنصف مليون دولار شهريا، للطبابة... ثم باشر جهده المميز لترميم صورة الدولة ومؤسساتها.
منذ مطلع عقد التسعينيات في القرن العشرين صار رفيق الحريري مرجعية سياسية مهمة جدا في الحياة العامة اللبنانية، لذلك رشحه الرئيس الهراوي لتأليف الحكومة التي تمكن من تأليفها في 31/10/1992. وقد ارتبطت حكومة الحريري بعنوانين بارزين هما: الشركة العقارية لإعادة إعمار الوسط التجاري لمدينة بيروت (سوليدير)، وخطة النهوض الاقتصادي. وهذه الخطة التي امتدت بين 1993 و2002 بلغت تكلفتها 12 مليار دولار، وجرى في سياقها بناء مطار جديد في بيروت سنة 1996 يمكنه أن يخدم ستة ملايين راكب، وتركيب نحو مليون ونصف مليون خط هاتفي جديد، وتشغيل طاقة كهربائية بقوة 13 ألف ميغاواط.
لم يكن الحريري قطبا من أقطاب السياسة اللبنانية فحسب، بل أصبح، بالتدريج، أحد أقطاب الحياة السياسية العربية، وامتاز بحيويته الفائقة، وبقدرته على المتابعة، ودأبه على تحقيق إنجازات كبيرة. وبهذا المعنى تمكن من عقد مؤتمري باريس 1 و2 ومؤتمر أصدقاء لبنان في واشنطن سنة 1996 وربما من دونه ما كان في الإمكان عقد مؤتمر الفرنكوفونية في بيروت سنة 2002.
هجر رفيق الحريري بداياته الأولى، لكنه لم ينس، على الإطلاق، أترابه ورفاقه. فأنشأ (مؤسسة الحريري) التي سرعان ما راحت تنفق، بلا حساب، على تعليم الطلاب في الجامعات الغربية حتى وصل عدد الطلاب الذين درسوا على نفقة هذه المؤسسة الى نحو 34 ألف طالب، وبمعدل 80 مليون دولار سنويا.
هجر رفيق الحريري أيام الفقر والقسوة، وانتقل من شاب لا يجني شهريا أكثر من 200 ليرة لبنانية (80 دولارا آنذاك)، إلى رجل أعمال يكسب مئات الملايين من الدولارات سنويا. وبهذه الصفة صار الحريري مثالاً للعصاميين، وفي الوقت نفسه مدعاة لغيظ الآخرين وللحسد بجميع أشكاله.
الآن، مَن يحسد الحريري على نهايته الفاجعة بعدما غدرت به أيامه، ولم تمهله طويلاً ليرى بأم عينيه ثمرات عمره وحلاوة المال والسلطة والسياسة معاً؟
يوم الوداع
غطت دماء لبنان، ممثلاً برفيق الحريري، وجه الشمس، ظهيرة يوم الاثنين في الرابع عشر من شباط 2005... فالجريمة أخطر من اغتيال قائد سياسي باهر الحضور، محلياً وعربياً وعالمياً: إنها محاولة لاغتيال وطن، المقتول فيها أكبر بما لا يقاس من قاتله، كما أنه أكبر بكثير من الذين حاولوا توظيف الجريمة لتبرير تدخل دولي ظل يناضل ضده حتى النفس الأخير.
إن 14 شباط 2005 يوم حاسم في تاريخ لبنان. إنه من الأيام التي يبدو فيها التاريخ وكأنه أسرع في خطاه وأفلتت كوابحه واندفع نحو هاوية لا قعر لها. ففي هذا اليوم تمفصل الوضع الداخلي، المأزوم أصلاً، على تجدد النزاع الإقليمي والدولي على لبنان، فتشكل من ذلك كله مزيج متفجر ومفتوح حصراً على الاحتمالات الأكثر خطراً.
لقد تضاءل حجم لبنان، فجأة، أمس، وبدا وكأنه بلا رأس. كأنما رحل مع رفيق الحريري بعض ما تبقى من ألقه، وبعض مصادر كبره والكثير الكثير من مبررات دوره المفترض... أما مستقبل لبنان فقد تبدى وكأنه في مهب الريح.
إن اغتيال رفيق الحريري هو، في بعض جوانبه، اغتيال لواحد من صمامات الأمان في لبنان... فالرجل كان يمثل، بحق، قدرة على مخاطبة المعارضة وتطويع خطابها، وقدرة على طمأنة سوريا إلى الثوابت القومية الصحية لعلاقتها مع لبنان، وقدرة على امتصاص آثار الهجمة الدولية. كان يمثل، فوق ذلك، مخرجاً ملائماً يحفظ ماء وجه الجميع، إن قرّ الرأي على تسوية فيحضر اتفاق الطائف نصاً وروحاً.
واستشهاد رفيق الحريري يضع القوى المتصارعة وجها لوجه، وتعلمنا التجربة أنه يصعب الرهان عليها من أجل عقلنة ممارساتها والبحث عن قشة الخلاص في كومة الأزمات المتراكمة والاستحقاقات المؤجلة، وبفقدانه يفقد لبنان عنصراً من عناصر قدرته على ممانعة القدر الذي يُدفع إليه دفعاً.
فلقد كان رفيق الحريري أكبر من الموالاة ومن المعارضة. ولعله الوحيد الذي رفض رئاسة الحكومة، غير مرة، بشروط رآها ظالمة لمن ولما يمثل.
ثم إن رفيق الحريري ظل إنساناً، وظل في مجالات كثيرة نسيج وحده: لا هو بالوارث ولا هو ابن البيت السياسي العريق.. لذلك استمر، بعد السلطة كما قبلها، على ما كان عليه: يتعاطف مع الفقراء الذين وفر لتعليم أبنائهم من الفرص أكثر مما وفرت الدولة، ويوزع عليهم <<الزكاة>> سنوياً، حتى وهي تحمل إليه الاتهامات الظالمة والتجني المفضوح، ويداوي مرضاهم في الداخل والخارج، من دون استرهانهم بجميله.
ظل (ابن الجنيناتي) الصيداوي المتحدر من صلب حركة القوميين العرب على ولائه لعروبته إلى حد اتهامه بأنه يريد (تعريب لبنان) بشرائه.. وارتضى أن يكون في ممارساته، في موقع (وزير الخارجية) الرديف لحافظ الأسد في سوريا، حرصاً على سوريا، وقد اجتهد في مواصلة هذا الدور مع بشار الأسد، وعمل بكل طاقته لفتح الأبواب الموصدة أمام هذه الدولة التي عانت طويلاً من العزلة بضغط الحصار الدولي وافتقاد النصير العربي.
ولعله كان الأنجح بين السياسيين العرب في نسج شبكة من العلاقات الدولية الواسعة التي لا تقف عند حد: من فرنسا جاك شيراك، إلى ألمانيا شرودر، وبريطانيا بلير، إلى واشنطن جورج بوش الأب ثم كلينتون وصولاً إلى جورج بوش الابن، مروراً بإيطاليا برلسكوني، وإسبانيا اليمين واليسار ومعهما الملك، فإلى روسيا بوتين، واليابان والصين، انتهاءً بإيران الثورة الإسلامية وباكستان في العهدين وتركيا قبل الإسلاميين ومعهم.
لقد مارس (سياسة الطائرة) بنجاح استثنائي مع القيادات العربية عموماً، فجمع بين صداقاته الكبار في السعودية، الملك فهد وولي العهد الأمير عبد الله والأمير سلطان، والرئيس المصري حسني مبارك، والملكين في المغرب وفي الأردن وصولاً إلى يمن علي عبد الله صالح وعُمان السلطان قابوس... إلخ.
ليس اغتيال رفيق الحريري صاعقة في سماء صافية.
إنه قرار بفتح أبواب جهنم على لبنان، بما تبقى من مناعته، وبالأساس على روحه المقاومة، و(حزب الله) سيكون المستهدف الأول، باعتباره (المعادل الموضوعي) وطنياً وقومياً.
وعلينا أن نقرأ موقف الرئيس الفرنسي، عنواناً للحقبة المقبلة، خصوصاً أنه يعلن فقدان الثقة بالسلطة ويطالب بتحقيق دولي في الجريمة... ووزير خارجيته، بارنييه، يوضح المخفي أو الملتبس في كلام شيراك فيؤكد أن الوقت سيأتي لمحاسبة المسؤولين، كائنين من كانوا.
والإدارة الأميركية تلوّح بطرح الجريمة في مجلس الأمن كمدخل لمعاقبة المسؤولين...
إن ذلك كله لا يؤكد فقط مكانة الحريري التي لم تكن تدانيها مكانة أي سياسي آخر في لبنان، بل يؤكد فداحة الفراغ الذي تركه، والاحتمالات المفتوحة على المجهول بعد غيابه. فمن زاوية النزاعات اللبنانية اللبنانية كان بإمكان المتسرّع الافتراض أنه أقرب إلى المعارضة... لكن نظرة متروية إليه، ومن زاوية الموقع الاستثنائي الذي شغله، تكشف أنه ظل حتى النفس الأخير مع العودة إلى التسوية التاريخية ممثلة باتفاق الطائف.
ولقد دلت بيانات الإدانة والاستنكار التي صدرت، مساء، على احتمالات الخطر التي فتحتها جريمة الاغتيال، وهذه نماذج منها:
في بيان أعقب اجتماعاً موسعاً لأركان المعارضة في منزل الحريري في قريطم، طالبت قوى المعارضة بأنها (تحمّل السلطة اللبنانية والسلطة السورية بكونها سلطة الوصاية في لبنان مسؤولية هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المماثلة)، كما طالبت برحيل السلطة الفاقدة شرعيتها الشعبية والدولية وقيام حكومة انتقالية وانسحاب القوات السورية الكامل قبل الاستحقاق الانتخابي. كما دعا بيان المعارضة المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته تجاه لبنان الوطن الأسير والدعوة الى تشكيل لجنة تحقيق دولية تضع اليد على هذه الجريمة في ظل انعدام ثقة اللبنانيين بهذه السلطة وأجهزتها كافة.
في اجتماع آخر، طالب أركان من الطائفة السنية برئاسة المفتي محمد رشيد قباني في دار الفتوى، بالكشف عن ملابسات الجريمة، وأكدوا أن الاغتيال (يستهدف المسلمين السنة) في وجودهم ودورهم وهم قد نالهم من الضيم ما يكفي ومن الصبر ما لم يعد يحتمل. ودعا البيان المسلمين الى عدم الانجرار الى أعمال تخل بالأمن والسلامة العامة.
أما كتلة الرئيس الحريري النيابية فكانت أعلنت سابقا أنها تحمّل السلطات المعنية المسؤولية، وقال بيان وزع بعد اجتماع لها (إن من قتل الحريري يعرف نفسه، وإن اللبنانيين يسمعون منذ سنين طويلة من يتباهى بتحمّله المسؤولية وهم سمعوا كما سمع العالم اتهامات التخوين التي وُجهت الى الشهيد ورفاقه في المعارضة).
إن لبنان يتجه إلى أزمة مصيرية. كان رفيق الحريري يعرف باليقين أن التطورات الإقليمية هي الأكثر تحكماً بالوضع الداخلي ومآله، وأنها تدفع به نحو اصطدام تستدعيه بقدر ما يستدعيها. وكان مقدراً للانتخابات النيابية أن تكون محطة لرسم موازين القوى، وللفرز، ولإنتاج معطى سياسي جديد. إلا أن هناك من تصرف، وفي ما يخص هذه الانتخابات، على أساس أن إرضاء أكثر المعارضين تطرفاً ممكن، ولكن المطلوب الاقتصاص من المعارض المانع نفسه من المعارضة.
والمستغرب أن الحكم كان يعمل كمن يريد توسيع قاعدة الاعتراض عليه.
جريمة اغتيال رفيق الحريري، أمس، سرّعت التاريخ، في ما يشبه الإنضاج المفتعل لعوامل انفجار أكبر. هناك مَن لا يريد قوى وسيطة في لبنان. هناك مَن يرفض استمرار الالتزام بالتسوية، حتى لو أدى الأمر إلى انفتاح أبواب جهنم في لبنان عليه وعلى جيرانه الأقربين.
إن لبنان صغير جداً، بلا رفيق الحريري، وأزمته كبيرة جداً.
حمى الله لبنان واللبنانيين